مجتمع

النيابة العامة تبحث سبل تقليص سجناء الاعتقال الاحتياطي

طه بلحاج الثلاثاء 23 نوفمبر 2021
DAKI 111
DAKI 111

AHDATH.INFO- مراكش: اسماعيل احريملة

عكست الأرقام التي قدمها كل من رئيس النيابة العامة الحسن الداكي وأحمد والي علمي رئيس قطب الدعوى العمومية وتتبع تنفيذ السياسة الجنائية أمس الاثنين في ندوة بمراكش، مدى انشغال النيابة العامة من معضلة الاعتقال الاحتياطي التي ترفع عدد الساكنة السجنية.

وشكل" ترشيد الإعتقال الإحتياطي"، موضوعا أساسيا ومحور نقاشات المشاركين في الندوة الجهوية المنظمة من طرف رئاسة النيابة العامة بدعم من الإتحاد الاوروبي، والتي انعقدت اشغالها على امتداد يومي 22-23 نونبر الجاري برحاب مدينة مراكش .

الندوة التي جاءت في اطار تنفيذ توجهات السياسة الجنائية التي تشرف عليها رئاسة النيابة العامة في مجال تعزيز حقوق وحريات الافراد، وكذا تحسين اداء قضاة النيابة العامة في مجال ترشيد الاعتقال الاحتياطي وتفعيل بدائله استهدفت بالاستفادة من مخرجاتها كل رؤساء الهيئات القضائية، رؤساء الغرف المعنية بالبت في قضايا المعتقلين، قضاة التحقيق، قضاة النيابة العامة العاملين بالدوائر القضائية بكل من مراكش وسطات واسفي ووارزازات، فيما اضطلع بدور التأطير لهذه الدورة التكوينية بعض الخبراء المغاربة والاجانب.

واذا كان المنظمون قد وضعوا من بين اهداف الدورة اطلاع المشاركين على المعايير الدولية المعتمدة في مجال الاعتقال الاحتياطي، بالاضافة الى تبادل الخبرات والتجارب مع الخبراء الاجانب والتعرف على المناهج الحديثة المعتمدة في لمراقبة وتتبع اجراءات الاعتقال الاحتياطي، فقد نوه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة في كلمته الافتتاحية، الى ان هذه الندوة وعلى غرار ندوة الدار البيضاء، قد تميزت بمشاركة قضاة الحكم وقضاة التحقيق الى جانب زملائهم من قضاة النيابة العامة، وهو ما من شانه اثراء النقاش وتعميقه حول اشكالية " الاعتقال الاحتياطي" وايجاد الآليات المناسبة لتدليلها.

واعتبر الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ان موضوع تدبير الاعتقال الاحتياطي، يبقى من اهم المواضيع التي تستاثر باهتمام رئاسة النيابة العامة ،مستدلا على ذلك بالكم الهائل والعدد الوافر من الدوريات التي وجهت للنيابات العامة في هذا الشأن.

ويبرز مكمن الاهتمام بترشيد الاعتقال الاحتياطي، باعتباره من اولويات تنفيذ السياسة الجنائية التي تدخل تحت اشراف النيابة العامة، كما يعتبر كذلك من المواضيع الحاضرة بالاجتماعات واللقاءات التي تعنى بالعدالة الجنائية، لاعتبار هذا الاجراء يمس الفرد في احد حقوقه الاساسية التي كرستها المواثيق الدولية والكتب السماوية على حد سواء وهو الحق في الحرية.

تماما كما يعتبر مرآة حقيقية لمدى احترام قواعد وشروط المحاكمة العادلة، لان تفعيل قرينة البراءة تعتبر حجر الزاوية في الانظمة القضائية الحديثة، وبالتالي فان اي افراط او سوء تقدير في اعمال سلطة الاعتقال، يبقى انتهاك حقيقي لحرية الانسان وهدم لقرينة البراءة .

ولم يفت رئيس النيابة العامة ان ينبه في كلمته التوجيهية الى انه وبالرغم مما حظي به موضوع الاعتقال الاحتياطي من اهمية واهتمام ضمن اولويات السياسة الجنائية، وبالرغم كذلك من كل جهود الارشاد المبذولة في هذا الاطار، فان نسبه لازالت يطبعها الارتفاع وفق ما تشير اليه الارقام المسجلة بهذا المنحى، حيث بلغ معدل الاعتقال الاحتياطي 44,56 في نهاية اكتوبر 2021, علما بان هذه النسبة قد بلغت نهاية شتنبر45,25.

ولم تفوت الكلمة التوجيهية للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الاشارة الى ان جهود رئاسة النيابة العامة قد اثمرت في البداية نتائج طيبة، عكستها الارقام المسجلة في معدلات الاعتقال الاحتياطي، حيث انخفضت الى36,31 متم مارس من سنة2019، غير ان الاثار السلبية التي افرزها انتشار جائحة كورونا على سير العدالة عموما، وعلى وثيرة البت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين على وجه الخصوص ، انعكست بشكل ملحوظ على نتائج سنتي2020و2021, مما يفرض مضاعفة الجهود ان على مستوى ترشيد اللجوء الى الاعتقال عند تحريك المتابعة، او على مستوى الرفع من نجاعة الاداء عند البت في قضايا المعتقلين واصدار الاحكام لاسترجاع خط التوازن، واستعادة التخفيض في المنحنى التراجعي لمعدلات الاعتقال الاحتياطي.

وقد سارت مداخلة احمد والي علمي رئيس قطب الدعوى العمومية وتتبع تنفيذ السياسة الجنائية برئاسة النيابة العامة على هذا المنوال ، حيث عزى الارتفاع الحاصل في عدد المعتقلين الاحتياطيين الى انخفاض وتيرة تصفية القضايا الخاصة بهم، اذ ان الساكنة السجنية كانت تبلغ الى حدود متم سنة2020 تبلغ 84990 سجينا،اي اقل مما سجل متم سنة2019، حيث توقف الرقم عنذ سقف ال 86384سجينا فقط.

أما عن الاسباب الكامنة خلف هذا الارتفاع المسجل في معدل الاعتقال الاحتياطي، فقد تم تفسيره باعتباره نتيجة وقتية للاضطراب الذي عرفه تدبير جلسات المعتقلين والذي افرزته جائحة كورونا، مع التأشير على امكانية تخفيضه بمجرد عودة المحاكم الى ايقاعها الطبيعي في العمل.

اما فيما يتعلق بمفهوم الاعتقال الاحتياطي ، فقد حدده رئيس قطب الدعوى العمومية بناءا على معيارين أساسيين:

1- معيار دولي، ويرتبط فيه هذا المفهوم الاجرائي بالفترة السابقة على المحاكمة أو على أبعد تقدير، الى حدود صدور حكم ابتدائي بالادانة، والتوجه الاخير هو المعتمد على مستوى منظمة الامم المتحدة، حيث يتم تصنيف الدول بحسب نسبة اعتقال الاشخاص غير المحكومين من الساكنة السجنية.

2 - معيار وطني، حيث يتجاوز الامر على الصعيد الوطني المفهوم الاممي للاعتقال الاحتياطي، ليشمل كل شخص معتقل، ولو كان محكوما بعقوبة سالبة للحرية بموجب حكم ابتدائي او قرار استئنافي، بحيث يظل معتقلا احتياطيا الى حين اكتساب الحكم الصادر في مواجهته لقوة الشيء المقضي به، أي غالبا بعد البت في الطعن بالنقض، بالنظر للجوء معظم المعتقلين الى الطعن تلقائيا في الاحكام الصادرة في مواجهتهم سواء بالاستئناف او بالنقض.

واذا كان معدل الاعتقال الاحتياطي برسم هذه السنة قد بلغ اكثر من 45 في المائة من مجموع الساكنة السجنية، تأسيسًا على التعريف التشريعي المعتمد وطنيا، فإن عدد المعتقلين الاحتياطيين الذين لم يصدر في حقهم أي حكم ابتدائي لم يتجاوز 15359 معتقلا في نهاية سنة2020، اي ما نسبته 18,07 في المائة من مجموع الساكنة السجنية البالغة 84990 سجينا.

وتبقى الاشارة الى ان وضعية الاعتقال الاحتياطي متم سنة 2020، قد ميزها اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد كتجربة تروم التوازن بين ضمان حق المعتقلين في المحاكمة التواجهية من جهة، وضمان السلامة الصحية من جهة اخرى، بكل ما ميز انطلاق التجربة وما واكبها من صعوبات واختلاف في مدى قبول الخضوع لها من عدمه،ادى الى حدوث بعض التاخير في تصفية قضايا المعتقلين، وبطء في سير إجراءاتها.

معطيات ووقائع كشفت في بعض تجلياتها كيف انعكست التجربة سلبا على اعداد المعتقلين الاحتياطيين الذين لم يتم البت في قضاياهم، حيث ارتفع عددهم بشكل ملحوظ ليستقر متم سنة 2020 في حدود 38836  معتقلا احتياطا (لم يصدر في حقهم حكم حائز لقوة الشيء المقضي به) من اصل84990 سجينا في مجموع المؤسسات السجنية الوطنية، أي ما نسبته45,69 في المائة، كرقم قياسي يتم تسجيله على الصعيد الوطني.