ثقافة وفن

رأي حول نقاش النموذج التنموي والبرامج الانتخابية

بقلم: سناء زاهيد الاحد 13 يونيو 2021
unnamed-1
unnamed-1

AHDATH.INFO

تُشكل الاستحقاقات الانتخابية، خصوصا البرلمانية منها، مناسبةأساسية لفتح نقاشات عميقة حول السياسات العمومية المتعلقة بمختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية للمواطنين، اذيفترض أن يعمل خلالها السياسيون باختلاف مشاربهم على تقييم التجربةالمنتهية وإبراز نجاحاتها واخفاقاتها انطلاقا من واقع المواطن وأثرها عليه. وذلك بهدف تقديم رؤى واستراتيجيات عمل جديدة، تمثل في نظر كل طرف البدائل المقترحة للتطور والتقدم وتحقيق نتائج أفضل للوطن والمواطن.

ولا تخرج الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في المغرب عن هذا الإطار بلإنها تقترن هذه السنة بحدثين مهمين، أولهما كونها ستجمع في نفس الآنبين مختلف المستويات التمثيلية الوطنية والجهوية والمحلية، وثانيهما كونهاستجرى في ظروف استثنائية عرفها المغرب تتعلق بالجائحة والمتغيرات التيفرضتها، وبالنقاش العمومي حول النموذج التنموي الذي نريد ومدى قدرتهعلى الاستجابة لمطامح المواطنين في التقدم والرقي والرفاهية. وهو النقاش الذي شمل جميع الفئات والتيارات والحساسيات الوطنية، وخضع، بسببالجائحة، لتحيين التصورات والمقاربات وإعادة ترتيب للأولويات.

وإذا كان المُعطى الأول يُهيّئ لفرص رفع النقاش وتعميقه بحكم مايطرحه على الهيئات الحزبية المتنافسة من ضرورة تقديم مقترحات شاملةتحقق شرط التكامل والالتقائية، تربط المحلي بالجهوي وبما هو وطني، فإن المعطى الثاني، وفي نفس الوقت، يفرض التدقيق في ربط ما هو مرحلي بماهو استراتيجي متوسط وبعيد المدى. أي أنه يطرح العلاقة بين مسألتينجوهريتين ألا وهما النموذج التنموي والبرنامج الحكومي.

وقد أثير هذا النقاش مباشرة بعد تقديم النموذج التنموي الجديد أمامرئيس الدولة وبحضور مختلف الأحزاب، وهو ما أشّر على انطلاق مرحلة التداول والنقاش بخصوص مضامين تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنمويالذي اختلفت حوله الآراء.

شخصيا، وإن كنت أشاطر غالبية من ثمنوا مخرجات عمل اللجنةوالروح التي حاولت إسكانها في جسد نموذج تنموي جديد، فإنني لا أتفقمع الطرح الذي يقول بدفع الأحزاب إلى العمل على إيجاد صيغة متوافَقعليها للتبني الكلي لهذا النموذج التنموي الجديد.

إذ أرى أن في الأمر مصادرة لاستقلالية الأحزاب السياسية، ومحاولة لدفعها في اتجاه حصر وتنميط برامجها الانتخابية ضمن تصور واحد ومُلزِم للجميع، وهو ما يعتبر في تقديري خلطا بين النموذج التنموي والبرنامج الحكومي، على اعتبار أن لهما نفس المضمون ونفس الوظيفة، في حين أنحقيقة الأمر عكس ذلك تماما.

ذلك أن مفهوم النموذج التنموي يرتبط بهدف استراتيجي بعيد المدىنسبيا، فهو يتعلق بما نسعى لتحقيقه حتى نصل إلى بناء المجتمعالديمقراطي الحداثي. وهو كما يبين تقريره العام، يتعلق بخارطة طريق ترسم المعالم الأساسية والخطوط العريضة لما ينبغي القيام به لتحقيق نهضة تنمويةشاملة، من خلال تقييم نقدي لمعيقات التقدم والتي يرتبط وجودها فيالحاضر بتاريخ عملية بناء المغرب الحديث.

وبطبيعة الحال فإن هذا النموذج لا يغفل استحضار العديد منالسياقات الوطنية والإقليمية والدولية، كما يستحضر حاجاتنا وقدراتناالطبيعية والبشرية، وثقافتنا وتاريخنا وسلبيات وايجابيات علاقاتنا المجتمعية، وإكراهات العلاقات الدولية واتجاه التطور والتقدم على جميع الأصعدة.

ومن جهة أخرى فإن تحقيق هذا التحول، يرتبط باندماج جميع مكوناتالدولة المتعددة والمختلفة ضمن رؤية مُوحَّدة عامة يتم الاتفاق فيها على خطوطعريضة لا تُلغي الاختلاف في الجزئيات والتفاصيل والاجراءات والخطط المرحلية، بل وحتى ترتيب بعض الأولويات، وهذا ما تجسده البرامج الحكومية التي يجب أن تتبارى فيها الأحزاب وتُبدع في بلورتها حتى تنسجم معالأهداف التنموية البعيدة وتصل بنا إلى المغرب الذي نريد.

فإذا كان التقرير العام للنموذج التنموي الجديد يُحدد لأهدافه سنة2035، فإن البرنامج الحكومي المرتبط بهذه الاستحقاقات المقبلة يشتغل فيأفق سنة 2026 ويطرح السؤال حول الخطط الضرورية والكفيلة بالتأسيس لهذا النموذج التنموي وبداية تنزيله على مدى الخمس سنوات المقبلة.

فهل تُفلح أحزابنا في خلق أجواء نقاش هادئ، عميق وبنّاء يدمج بينقضايا النموذج التنموي الجديد والبرنامج الحكومي من خلال إجراءاتواقعية وأهداف واضحة وتطلعات عقلانية تأخذ بعين الاعتبار الإمكانالدستوري وما ينتظرنا جميعا من استكمال ورش تنزيله، وظروف المواطن وامكانيات البلاد، وتبتعد عن المزايدات الانتخابوية والأرقام الفضفاضة بالشكل الذي يجعل المواطن يثق وينخرط في مسلسل بناء المغرب الذي نريد.

هذا هو التحدي وفي هذا فليتنافس المتنافسون . .