مجتمع

الأطفال.. رهائن الحجر الصحي

طه بلحاج الثلاثاء 16 يونيو 2020
20200616_211656
20200616_211656

AHDATH.INFO- محمد عارف

خيم الحجر الصحي الذي امتد لأسابيع وتداعياته النفسية والاجتماعية على الأطفال، ودفع بالعديد من الأسر والجمعيات والبرلمانيين إلى دق ناقوس الخطر للمخاطر المحتملة على نفسيتهم، نظرا للتأثيرات السلبية، التي تسببت فيها جائحة كورونا وإكراهات البقاء في البيت، وما تلى ذلك من توقف الأنشطة التي كان يمارسها الأطفال من قبل.

نزل الأب من سيارته رفقة طفله الصغير بالقرب من حديقة عمومية وسط مدينة المحمدية. كانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد الزوال ليوم الأحد، هرول الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة من العمر في اتجاه الباب الرئيسي للحديقة، كان فرحا وهو يركض بين الأشجار ويرتمي في العشب الأخضر بشكل طفولي، وينادي على والده لمشاهدته، غير أن فرحته لم تدم طويلا بعدما تناهى إلى مسامعه صوت حارس الحديقة يطالبه بمغادرتها، في مشهد غير مألوف في هذا المكان الذي كان قبلة للأسر والأطفال قبل الحجر الصحي وحالة الطوارئ التي تم تمديدها من جديد إلى غاية العاشر من شهر يوليوز المقبل، فهم الأب أن الظرف غير مناسب للاحتجاج على رد فعل الحارس، خاصة أن هذا الأخير لوح له باستمرار منع الولوج إلى الحدائق طبقا لقرار وزارة الداخلية تماشيا مع التدابير والإجراءات المتخذة لمكافحة جائحة كورونا ومنع التجمعات بالأماكن والفضاءات العامة والمتنزهات والحدائق. صعد الطفل إلى السيارة بتبرم وهو يطالب والده بالبقاء في الحديقة لوقت قصير. الأب بدوره شعر بخيبة أمل في أن يجد طفله الصغير ملاذا هنا في هذا الفضاء واللعب قليلا، خاصة، يقول الأب، أنه لم يغادر منزله الصغير منذ أسابيع طويلة، فصار أكثر عنفا وحركة وفشلت محاولات تهدئته وكان أمله أن يكون تاريخ العاشر من يونيو موعدا للتخفيف من حالة الحجر والسماح للأطفال بالخروج واللعب والهروب من جدران الشقة.

فقد وجدت الأسر المغربية نفسها، وبعد تمديد الحجر الصحي للمرة الثالثة، وسط قلق حقيقي نتيجة ما أصاب أطفالهم من مظاهر العزلة والكآبة وملل وارتدادات نفسية جراء الظروف الاجتماعية وضغط السكن خاصة المحدود المساحة وانعدام الحركة ومحدودية الحوار وسط العائلة، وتزايد الضغوطات على الأبوين، وافتقادهم للعب مع أقرانهم وضعف البرامج الإعلامية، وخاصة التلفزية الموجهة إليهم في هذه الفترة الحرجة لانتشار جائحة كورونا، كما أن استمرار إغلاق الفضاءات الخضراء من حدائق وملاعب وغيرها زاد من حدة الآثار النفسية لديهم، فضلا عن الإرهاق المستمر للدروس عن البعد وحجم المجهود الذهني الذي تتطلبه هذه العملية غير المألوفة. هذه العوامل كلها تسبب في شرخ نفسي واجتماعي دفع الأطباء النفسانيين وعلماء الاجتماع وجمعيات مختصة في طب الأطفال إلى التوقف عند تداعياتها الخطيرة على نفسية الأطفال، وفي هذا الإطار حذرت منذ أيام «الجمعية المغربية لطب الأطفال» الحكومة من انعكاسات تمديد تطبيق حالة الطوارئ الصحية إلى غاية الـ10 من شهر يوليوز القادم، واستمرار تطبيق الحجر الصحي وإن بشكل مخفف في عدد من العمالات والأقاليم، على الصحة الجسدية والنفسية للأطفال.

وعبرت الجمعية، في رسالة بعثتها إلى وزير الصحة، خالد آيت الطالب، يوم الأربعاء 10 يونيو، عن تخوفها من «أن استمرار تطبيق الحجر في عدد من المناطق، قد تكون له انعكاسات نفسية وصحية على الأطفال، حسب ما أظهرت مجموعة من الدراسات». وطالبت الرسالة من وزير الصحة باتخاذ إجراءات لصالح الأطفال، والسماح لهم بالخروج من المنازل، مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية والصحية الضرورية.

واستندت هذه المخاوف إلى مجموعة من الدراسات العلمية، التي أكدت أن فترة الحجر الصحي، الذي امتد لأسابيع قد تكون لها تداعيات نفسية واجتماعية طويلة الأمد على نفسية وأن العزلة الاجتماعية التي يتعرض لها الأطفال والشباب في مقتبل العمر بسبب الإغلاق المرتبط بجائحة كورونا ستبقى آثارها على نفسياتهم لفترة طويلة.

وتناولت الدراسة، التي أجرتها جامعة باث البريطانية، آثار الوحدة على الحالة النفسية لدى الأطفال والشباب، وأن السنوات القادمة ستشهد زيادة في طلب الحصول على خدمات الصحة العقلية والنفسية.

وجاء في الدراسة: «من المرجح أن يستمر الأطفال والمراهقون في المعاناة من معدلات اكتئاب وقلق عالية لأمد طويل حتى بعد انتهاء الإغلاق وحالة التباعد والعزلة الاجتماعية، يتعين الاستعداد للارتفاع الذي سيحدث في طلب الدعم النفسي والعقلي وتوفير الخدمة السريرية وبيئة الرعاية».

ووفقا للدراسة، فإن فرصة إصابة جيل الشباب الصغير، الذين يشعرون بالوحدة، بالاكتئاب «تزيد بثلاثة أضعاف» عن غيرهم، كما أن تأثير الوحدة والاكتئاب عليهم قد يستمر «لما لا يقل عن تسع سنوات».

كما وصل تمديد الحجر وتأثيره على الأطفال إلى البرلمان، حيث طالب مصطفى بايتاس، البرلماني عن فريق التجمع الدستوري، الحكومة باتخاذ تدابير توفير المواكبة النفسية لهؤلاء الأطفال، والتخفيف من تداعيات الحجر الصحي عليهم.

وجاء في سؤال كتابي للبرلماني أن فترة الحجر الصحي، والتي استمرت قرابة ثلاثة أشهر، أثرت بشكل كبير على نفسية المغاربة وتحديدا على فئة الأطفال الذين وجدوا أنفسهم حبيسي جدران منازلهم منذ تفشي جائحة كورونا، محذرا من «المنع من الخروج ولو لأوقات محددة للتنزه واللعب ودون توفير أي إجراءات أو برامج مواكبة للتخفيف من تداعيات ذلك على صحتهم النفسية والبدنية، من بين هؤلاء الأطفال من يعاني من أمراض نفسية أو التوحد أو الإعاقة».

من جانبها، عبرت جمعية الشعلة للتربية والثقافة عن قلقها الكبير من معاناة الأطفال واليافعين والشباب مع حالة الحجر وامتداداتها النفسية والاجتماعية. وأوضحت الجمعية أن مجموعة من العائلات تعيش قلقا بخصوص توازن أبنائها النفسي، وبروز حالات الانعزال والكآبة من جراء الظروف الاجتماعية، وضيق فضاء السكن الذي يحول دون حركة الأطفال، ومحدودية الحوار، واللعب مع أقرانهم، وضعف البرامج الإعلامية، وخاصة التلفزية لفائدتهم، واستمرار إغلاق الفضاءات الخضراء وغيرها، وحرمانهم من حقهم في العطلة الصيفية.
وأمام هذه الوضعية، طالب المكتب الوطني لجمعية الشعلة للتربية والثقافة رئيس الحكومة والقطاعات المعنية بتخصيص دعم مادي ومعنوي وصحي للأطفال واليافعين، وذلك لمواجهة هذه الوضعية الحرجة.
إلى جانب ذلك، دعت الشعلة الجهات نفسها إلى تحمل المعالجة الطبية النفسية للأطفال المعنيين مع الأطباء المختصين، مشددة على ضرورة الاحتفاظ بميزانية العطلة للجميع في القانون المالي المزمع تعديله بما يسمح للمنظمات التربوية الحفاظ على خدمتها التربوية الثقافية عن بعد لفائدة الطفولة واليافعين والشباب.

وللتخفيف من آثار الحجر الصحي، وللاستفادة من العطلة الصيفية، ولتمكين الطفولة من الانخراط في البرامج البديلة للتخييم والتخفيف من تداعيات الجائحة عليهم،

دعت الجامعة الوطنية للتخييم مكوناتها الوطنية والجهوية إلى فتح حوار وطني وجهوي ينبني على تقييم السياسات العمومية في مجال الطفولة والشباب ووضع إستراتيجية التدبير لمراكز الاستقبال ودور الشباب والحماية والمرأة. 
وتوصل الاجتماع، الذي عقده المكتب الجامعي للجامعة الوطنية للتخييم، يوم 11 يونيو 2020، مع مكاتبه الجهوية للجامعة عبر تقنية عن بعد، إلى مجموعة بدائل من الممكن التعاطي معها ما بعد فترة الحجر الصحي اللقاء، واستحضر احتياجات الأطفال والشباب للخروج من الضغط النفسي والبدني، وفق مقاربة تنشيطية وتأطيرية تعتمد على سياسة القرب بالفضاءات المؤهلة والأحياء السكنية، يؤكد أعضاء المكتب الجامعي على احترام البروتوكول الصحي في إطار السلامة والوقاية والتباعد الآمن والنظافة ووضع الكمامات وقياس الحرارة.
جائحة انتشار فيروس «كورونا» المستجد وتداعياتها جعلت معظم تدخلات اجتماع المكتب الجامعي تجمع على ضرورة تنظيم المخيمات الحضرية للقرب بترتيبات دقيقة وفتح أوراش للشباب والتعجيل بالسياحة الثقافية ورحلات معرفة المغرب وبرامج دعم القدرات ومنصات التنشيط بفضاءات مفتوحة معقمة.

مكونات الجامعة الوطنية عبرت عن تشبثها بالبرنامج الوطني للتخييم ومجالاته، وهو يشكل في حد ذاته مكسبا وحقا للطفولة والشباب والجمعيات، على أساس أن يخضع البرنامج الوطني للتخييم إلى تحيين رافعات وتسريع وتيرة دعم الجمعيات، يشير أحد أعضاء المكتب الجامعي على ضرورة مواصلة العمل الميداني، كما كان مقررا في السابق مع الإبقاء على برنامج الإحداثات والإصلاحات للمخيمات، ودعوة اللجنة المشتركة المركزية والجهوية لبحث كل الخيارات المتاحة.
الجامعة طالبت القطاع الوصي على الطفولة والشباب إجراء فحوصات طبية مخبرية على أطر الجمعيات كتدبير وقائي، وتكثيف الاتصالات مع كل الفاعلين في المؤسسة التشريعية وجمعيات طب الأطفال والأطباء النفسانيين لوضع برامج عملية تروم إلى تخفيف الضغط النفسي خاصة على الأطفال والشباب.