مجتمع

الطب العسكري.. سند الدولة في زمن كورونا

طه بلحاج الاثنين 15 يونيو 2020
OUAR1847
OUAR1847

AHDATH.INFO- سميرة فرزاز/ت: محمد وراق

كشف تفشي جائحة كورونا عن الدور المهم للقوات المسلحة التي شكلت سندا لجأت إليه مختلف دول العالم في مواجهة هذه الأزمة، والملاذ الآمن الذي ارتكزت عليه مختلف استراتيجات الحد من انتشار العدوى.

وتتوفر القوات المسلحة الملكية على بنية استقبال طبية مهمة، تتجسد في العديد من المستشفيات العسكرية المنتشرة في مختلف أنحاء المملكة، كما أنها تضم بين صفوفها أعدادا كبيرة من الأطباء العسكريين العامين والأخصائيين، الذين تخرج أغلبهم من المدرسة الملكية لمصلحة الصحة العسكرية بالرباط التي تناط بها مهمة السهر على تكوين التلاميذ الضباط الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان والبياطرة التابعين للقوات المسلحة الملكية.

وأكدت جائحة فيروس كورونا المستجد وما سبقها من أوبئة وأمراض فتاكة وكوارث طبيعية أن للجيوش مهام استراتيجية أخرى جنبا إلى جنب مع مهامها التقليدية، حيث يمكن أن تقوم الجيوش بعدد من المهام والأدوار الفاعلة في تطويق الوباء والحيلولة دون انتشاره وتفشيه، ومن بين هذه المهام الأساسية، تقديم الدعم الطبي بالتعاون مع وزارة الصحة والمؤسسات المعنية الأخرى، حيث تتمتع الجيوش بقدرات كبيرة في التعامل مع الأوبئة، ولديها القدرة على تقديم كافة أشكال الدعم الطبي، خاصة وأن أفرادها يمتلكون القدرة على التعامل مع الأسلحة البيولوجية، كما تمتلك الجيوش قدرات بحثية وطبية قد تمكنها من اكتشاف لقاحات وأمصال لمقاومة انتشار العدوى.

دعم بشري ولوجستيكي

تتباين المساعدات الطبية التي يمكن أن يوفرها الجيش من بلد لآخر، فموارد الجيوش لا تنضب، فالجنود مدربون على الإسعافات الأولية، ويمكنهم المساعدة في العديد من الأدوار الثانوية، وربما تحتاج الأطقم الطبية في النهاية إلى إقامة مستشفيات ميدانية مؤقتة وغيرها من المنشآت الطبية، وهذا ما حدث بالضبط في المغرب، فقد تلقى الجنرال دو كوردارمي، عبد الفتاح الوراق، المفتش العام للقوات المسلحة، والجنرال دو كور دارمي محمد حرمو، قائد الدرك الملكي، والجنرال دو بريغاد محمد العبار، مفتش مصلحة الصحة العسكرية، أمرا من القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة الملك محمد السادس بتكليف الطب العسكري بشكل مشترك مع نظيره المدني بالمهمة الحساسة لمحاصرة تفشي فيروس كورونا المستجد، وذلك في وقت جد مبكر ومنذ المؤشرات الأولى لظهور الوباء بالمغرب.

وبالفعل، فقد تم إلغاء جميع العطل والإجازات لفائدة الجنود وجنود الصف وكبار المسؤولين العسكريين، إذ توصل كافة المسؤولين العسكريين بإشعارات عاجلة للالتحاق فورا بمواقعهم، تحسبا لأي طارئ لأي طارئ قد يحدث في البلاد بسبب احتمال تفشي الفيروس بأرجائه..

وهكذا تمت تعبئة جميع وسائل الطب العسكري لتعزيز الهياكل الطبية المخصصة لتدبير الوباء، من خلال الطاقم الطبي وشبه الطبي للقوات المسلحة الملكية، وذلك ابتداء من الثالث والعشرين من شهر الماضي، أي بعد حوالي واحد وعشرين يوما فقد من تسجيل أول حالة مصابة بالفيروس، وتمت أيضا تعبئة المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي في هذه العملية لدعم المستشفيات العمومية في مواجهة الجائحة والاستعداد لاحتمال توافد مكثف للمصابين.

ولمواجهة الأزمة قامت القوات المسلحة الملكية بإرسال فرق طبية للدعم حتى يتسنى ضمان التكفل الجيد بالمرضى، ولتقييم الوضع، وتحسين التجهيزات، دعما للأطقم العاملة في المستشفيات العمومية، ومستشفى القرب سيدي مومن، والذي كان قد خصص منذ تسجل أول حالة مؤكدة بالفيروس كواحد من المستشفيات العمومية التي تلقت الدعم من المؤسسة العسكرية، حيث يشتغل أطرها الطبية والصحية جنبا إلى جنب مع تلك التابعة لوزارة الصحة.

كان لابد في ظل الوضع المستجد بالبلاد من إعادة تنظيم المستشفيات العسكرية بالمملكة لاستقبال أكبر عدد ممكن من المصابين بالعدوى، كما تم إنشاء وتجهيز مستشفيين ميدانيين في ضواحي الدار البيضاء خصيصا لهذا الغرض، واحد بعمالة أنفا مكان المعرض الدولي، والثاني بمنطقة النواصر، بالإضافة إلى مستشفى ابن سليمان وآخر بابن جرير، هذا ناهيك عن الآلاف من المئات من الاختبارات اليومية التي تقوم بها لحد الآن المختبرات العسكرية والخاصة بالكشف عن فيروس كورونا بتقنية «بي سي إر».

وأرسلت في هذا الإطار أطقم طبية عسكرية تضم أطباء وممرضين حوالي 170 ألف فردا إلى 45 وحدة استشفائية بالمملكة.

مستشفى سيدي مومن

رغم تجميع جميع الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في مستشفيين اثنين، في انتظار رفع العزل الصحي عن المستشفيات العمومية لمباشرة عملها المعتاد قبل تفشي الفيروس في البلاد، فإن سبع حالات مازالت تتابع علاجها بالمستشفى في انتظار الإعلان عن تعافيها خلال الأيام القليلة القادمة، لذلك مازال الطاقم الطبي والصحي والمصالح الاجتماعية بهذا لمستشفى تباشر عملها المعتاد في التصدي للفيروس.

يشتغلون جنبا إلى جنب مع الأطباء العموميين، يعملون يوميا على تطوير خطط واستراتيجيات موحدة لإدارة المواجهة مع الفيروس، أنشأوا داخل المستشفى فرق عمل تخصصية في المجالات الوقائية والعلاجية، ومن أهم هذه الفرق، فريق الإسعاف والعزل الصحي، وفريق قيادة الإمداد الدوائي، وفريق الإخلاء الطبي، وفريق الإسناد الفعال لنقل المصابين من مستشفى إلى آخر.

يقوم الطاقم العسكري، كذلك، داخل مستشفى سيدي مومن بالدارالبيضاء بالأدوار والمهام اللوجستية، حيث يعمل على نقل المعدات والإمدادات الحيوية والطبية من مكان لآخر بسهولة، خاصة وأن أفراد الجيش مدربون بشكل جيد على إنجاز مثل هذه المهام بكفاءة وفاعلية، فضلا عن قدرات الجيوش على تقديم خدمات طبية وتزويد الأماكن النائية والبعيدة بكافة أشكال وسبل الرعاية الصحية، وهذا ما حدث في العديد من المناطق في المغرب.

وأصرت عناصر الطاقم من النساء العسكريات على العمل في الصفوف الأمامية للوقوف جنبا إلى جنب، وعلى قدم المساواة، مع زملائهم من الرجال في هذه المعركة الضروس التي تخوضها البلاد قاطبة ضد جائحة فيروس كورونا المستجد، خصوصا اللواتي يشتغلن في المصالح الاجتماعية، حيث تقدم خدمات جليلة للمصابين بالفيروس وذويهم، من بينها تقديم الدعم الاجتماعي والتربوي والثقافي.

رسائل هامة

وغير بعيد عن الموضوع، جميع المواطنين لاحظوا نزول القوات المسلحة الملكية إلى الشارع، حيث يندرج هذا الإجراء في إطار الدور الأساسي للجيش في حماية البلاد وفرض الالتزام بقرار الحجر الصحي الذي اتخذته الحكومة، وذلك بمنع التجمع وتقييد حركة التجوال وإغلاق الملاعب والمساجد والمقاهي والمطاعم... وتنظيم النقل العمومي وتعليق الدراسة، الأمر الذي يفرض الاستعانة بالجيش من أجل الحؤول دون وقوع أعمال شغب وتخريب، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، إلا أن المواطنين أبدوا التزامهم بإجراءات الحجر الصحي، بل كانوا يصفقون ويقدمون الورود للقوات المسلحة الملكية وعناصر الأمن والقوات المساعدة والسلطة، الكل كان يعمل جنبا إلى جنب من أجل حماية صحة وممتلكات الموانين وأمن البلاد.

رسالة أخرى كانت من وراء استدعاء الجيش، وهي السلام والاطمئنان وتعزيز الأمن لدى الشعب، حيث أن استدعاءهم يأتي في إطار نشر الاطمئنان بين المواطنين بأن الدولة بكل مواردها محتشدة في مواجهة الموقف، وذلك من خلال العمل على تأمين المؤسسات والمنشآت والمقار الحيوية والمرافق العامة، وذلك في حالة قيام الدولة بإعلان فرض الحدر وعد الخروج إلى الشارع بعد ساعة معينة، حيث تمتلك الجيوش القدرة على محاصرة وتطويق الأماكن والساحات التي تمثل بؤرة يمكن أن يتسرب منها الفيروس لباقي المناطق.