ثقافة وفن

حنان رحاب تكتب : مراسلون بلا حدود تضع حدودا للموضوعية حالة المغرب نموذجا.

رحاب حنان الخميس 05 مايو 2022
EE9AC3A8-DD3D-456A-9823-10644C1226AD
EE9AC3A8-DD3D-456A-9823-10644C1226AD

AHDATH.INFO

تقدم منظمة "مراسلون بلا حدود" نفسها منظمة للدفاع عن الصحافيات والصحافيين، وحرية الرأي والتعبير والإعلام، وتدعي في تقاريرها وتوصياتها والترتيب السنوي للدول الذي تنشره أنها تعتمد مؤشرات موضوعية، ومعلومات موثوقة.

لا يخفى أن المنظمات غير الحكومية التي تنشط في المجال الحقوقي قد لعبت أدوارا لا ننكرها في حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وفي الدفاع عن الحقوق والحريات عموما، ولا يمكن لأي دولة أو كيان سياسي أو مدني إلا أن يسعى لبناء علاقات شراكة وحوار مع هاته المنظمات غير الحكومية، ولكن في الآن نفسه لا يمكن أن نغفل أن بعض هذه المنظمات المسماة وازنة أصبحت تحيد حتى عن مواثيقها التأسيسية، وتحولت إلى قوة ناعمة، يتم توظيف رمزيتها وتاريخها في الضغط على بعض الدول التي تحاول التخلص من الوصاية، أو التي تبحث عن نموذجا الخاص للتنمية بعيدا عن الإخضاع لنوع من التنميط باسم الكونية المفترى عليها، فيما الكونية الحقيقية هي جماع حوار الخصوصيات التي لها الحق في التعبير عن ذاتها والمطالبة باحترام أنساقها القيمية والأخلاقية والهوياتية.

لقد دأبت منظمة مراسلون بلا حدود على نشر مجموعة من التقارير حول المغرب مشوبة بغير قليل من الثغرات التي تجعل موضوعيتها ليس فقط محل نظر، بل محل تشكيك، خصوصا مع الإمعان في تكرار المعطيات المغلوطة رغم تنبيهها مرات متعددة لها، فهل يتعلق الأمر بسوء نية؟

ولنعط مثالا من التقرير الأخير الذي صدر موازاة مع الترتيب السنوي الذي تضعه المنظمة ، والمتعلق بحرية الصحافة، حيث رتبت المغرب في الصف 135، متقدما بنقطة واحدة عن ترتيب السنة الماضية.

قد يكفينا فقط ملاحظة وجود دول متقدمة على المغرب عرفت حوادث اغتيال للصحافيين، أو تعيش أوضاع حرب وقلاقل اجتماعية وسياسية، ومنها دول لا تعرف حتى الحد الأدنى من الاستقرار السياسي، وعرف بعضها انقلابات عسكرية وإعلان حالات طوارئ، وتعطيل مؤسسات دستورية، وإغلاق محطات تلفزية وإذاعية بقرارات إدارية، لبيان تهافت هذا الترتيب، ولكن رغم ذلك سنناقش ما ورد في التقرير من مؤشرات تشرح الحالة في المغرب من وجهة نظر منظمة اعتبرت دول احتلال في الشرق الأوسط تمنع عمل الصحافيين الأجانب بكل حرية، وتعرض حياتهم للخطر، ودولا أخرى لا تتوفر على دساتير ولا على أحزاب ولا على صحافة مستقلة، ولا يقبل فيها نقد حتى الموظفين الكبار، اعتبرتها متقدمة على المغرب في حرية الصحافة.

ففي الشق المتعلق بالمشهد الإعلامي، يتحدث تقرير مراسلون بلا حدود بوثوقية، وبلغة إطلاقية عن انعدام التعددية في الإعلام المغربي، وهو ما يضحده التنوع الذي يطبع الإعلام المغربي، لا من حيث وجود صحافة مستقلة جنب الإعلام الرسمي، ولا من حيث تعددية الخطوط التحريرية بين ليبيرالية وبين محافظة، وبين صحافة حزبية وأخرى تابعة لمقاولات خاصة، كما أن الخطاب الإعلامي يتراوح من منبر لآخر بين لغة حادة في انتقاد مظاهر تدبير الشأن العام، وأخرى معتدلة، وثالثة مدافعة عن الحكومة، بدليل أن أحزاب التحالف الحكومي تشكو من انحياز الصحافة ضدها، فيما تقول المعارضة إن الحكومة تستفيد من تحيز الإعلام.

وأورد التقرير أن الصحافيين يتعرضون لضغوطات تمنعهم من الوصول للمعلومة، دون أن تقدم أمثلة دالة، والحال إن هناك بالفعل صعوبات في الوصول للمعلومة بشأن بعض القضايا، وهي صعوبات مرتبطة بنصوص قانونية يتوجب تعديلها، وليست بسبب أي ضغوط متوهمة، وإشكالية الحق في الوصول إلى المعلومة تعتبر في المغرب محط نقاشات علنية بين البرلمانيين والإعلاميين والحقوقيين، وليست طابو يمنع الاقتراب منه.

ولم تجد منظمة "مراسلون بلا حدود" من مثال على التضييق على الصحافيين، فاختلقت حكاية إغلاق السلطات ليومية "أخبار اليوم"، فيما الجميع يعلم أن الإغلاق كان من طرف مالكي الصحيفة، بطريقة لم تحترم حقوق العاملين بها، الذين التجأوا للقضاء من أجل إنصافهم في مواجهة مالكي الجريدة.

وفي الشق السياسي، سنجد صعوبة في الربط بين هزيمة حزب العدالة والتنمية وصعود السيد أخنوش لرئاسة الحكومة، وبين تراجع حرية الصحافة بالمغرب، كما يوحي بذلك التقرير، والمفارقة أن الملفات التي تدافع عنها منظمة مراسلون بلا حدود كلها تم فتحها أثناء رئاسة العدالة والتنمية للحكومة، مع الإشارة إلى أنه حتى تلك الملفات ليس هناك إجماع داخل الجسم الصحفي نفسه على أنها مرتبطة بالفعل بممارسة الصحافيين المتابعين لعملهم الصحافي.

صحيح أن هناك ملاحظات تتعلق بامتلاك رئيس الحكومة لأسهم مجموعة من المنابر الإعلامية، ولكن مثل هذا النقاش موجود في أعرق الديموقراطيات، وصحيح كذلك أن بعض المنابر قد تتفادى انتقاد رئيس الحكومة بسبب امتلاكه لمجموعة من الشركات التي تغذي إعلاناتها سوق الإشهار، ولكن كل ذلك له علاقة باختيارات تلك المنابر، وليس ثمة أي ضغوطات من طرف السلطات، بدليل وجود منابر كثيرة يكاد يكون انتقاد رئيس الحكومة مادة يومية لها.

ودون أن يقدم أي أدلة مرة أخرى، يصدر التقرير حكم قيمة، يقول بأن قضايا الملكية والصحراء والإسلام وعمل الأجهزة الأمنية وكيفية تدبير جائحة كورونا هي مواضيع يحظر الحديث فيها، ويكفي رصد المواد الصحفية لمدة أسبوع واحد فقط لنجد ما يدحض هذه الخلاصة، بدليل أنه لم يتابع أي صحفي بسبب هذه المواضيع، بل إن هذه المواضيع نفسها لطالما كانت موضوع بلاغات رسمية من طرف المسؤولين توضح فيها ملابسات قضية ما، أو ترد على ما ورد في مواد صحافية.

لقد انتقد صحافيون مشاريع أعطى انطلاقتها ملك البلاد، كما انتقد آخرون التدبير الرسمي لملف الصحراء المغربية، وحفلت المنابر الصحافية بأخبار عن تورط موظفي أمن في انتهاكات عرضية كما يمكن أن يقع في أي بلد ولو كان عريقا في الديموقراطية، وتعاملت مديرية الأمن الوطني برحابة صدر مع ما ينشر في الإعلام، مما يجعل ما ورد في التقرير في حكم تهافت التهافت، إلا إذا كانت المنظمة تعتبر السب والشتم وانتهاك الحياة الخاصة للمسؤولين من مشمولات حرية الرأي.

أثار التقرير في الشق القانوني اللجوء إلى القانون الجنائي في قضايا النشر عوض قانون الصحافة والنشر الذي لا يتضمن العقوبات الحبسية، وهو موضوع يشكل واحدة من الملفات التي تدافع عنها النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والتي نتمنى أن تعرف طريقها للحسم، لكن ليس بالتهويل الذي يقدمه تقرير المنظمة، والذي يرتب عليه خلاصة تحمل تناقضا فجا، إذ يقول التقرير إن هذا التضارب أدى إلى ممارسة الصحافيين لرقابة ذاتية، ثم يقول إن هناك قضايا كثيرة في مواجهة الصحافيين بالمحاكم، فكيف يستقيم أن يكون الصحافيون يقومون برقابة ذاتية والحال أنه توجد قضايا كثيرة أمام المحاكم؟ .

مع العلم أن اللجوء للقضاء ليس مؤشرا سلبيا، بل هو دليل على وجود حد أدنى معتبر من حرية الصحافيين في أداء مهنتهم، وأن الحسم ليس للضغوط ولا للقرارات الإدارية، بل هو بيد القضاء، والصحافيون المغاربة لا يرفضون اللجوء والاحتكام للقضاء، بل يعتبرونه مكسبا، إنما يطالبون بتجويد النصوص القانونية بما يوسع هوامش الحريات، وهو على أي حال نقاش مفتوح حتى في الإعلام الرسمي المملوك للدولة.

في الشق الاقتصادي تحدث التقرير عن الصعوبات المالية التي تعيشها المقاولات الصحافية بسبب تقلص موارد الإشهار، وهو مشكل تعاني منه الصحافة في العالم كله، بدليل إغلاق محطات تلفزية رائدة، وإغلاق صحف ورقية كبرى أو تقليص العاملين بها، بسبب منافسة وسائط التواصل الاجتماعي، لكن تقرير المنظمة يربط ذلك في الحالة المغربية بدعم تتلقاه المنابر الموالية للسلطة في مقابل عدم استفادة المنابر المعارضة، مع العلم أن كل المنابر الإعلامية المغربية باختلاف توجهاتها وخطوطها التحريرية تشكو من تقلص المداخيل الإشهارية، بما فيها حتى وسائل الإعلام الرسمية.

في الشق الثقافي يقدم التقرير صورة للمجتمع المغربي لا تختلف عن الصور الاستشراقية النمطية، فالمغاربة في التقرير لا يستهلكون سوى المواد التي تحفل بالإثارة وتحقر المرأة، مع العلم أن صحافة "البيبل" والإثارة موجودة في كل الدول، وتعرف إقبالا تؤكده نسب المشاهدة والتقاسم، ولكن المنظمة تكيل بمكيالين، بحيث إن وجود مواد تعتمد الإثارة في الصحافة الغربية مرتبطة بقيم السوق الاستهلاكية وقانون العرض والطلب، لكنها في دول مثل المغرب هي نتيجة تخلف المجتمع ومؤامرة من السلطات.

وفي الشق الأخير المرتبط بحماية الصحافيين، تحدث التقرير عن أن المغرب يعرف اعتقالات بدون إذن قضائي، وعلى أن الصحافيين يتم احتجازهم لمدة طويلة خارج القانون، ولعمري ما قرأت بهتانا أكثر من هذا، ونتحدى المنظمة عن إيراد أي أمثلة، وحيث إنها تفتقدها فقد عادت لملفات حدثت قبل سنة 2021 التي هي السنة المعنية بالتقرير، دون أن تجرأ على إعطاء أسماء محددة، مما يعفينا من الرد عليها.

وعلى عادة التقارير المرتبطة بكل دولة ، يختم التقرير بجرد عدد الصحافيين الذين تعرضوا للاغتيال، وعدد من يقبعون في السجن، وفي حالة المغرب يقر التقرير بانعدام أي حالة اغتيال، وبوجود 9 صحافيين وثلاثة متعاونين رهن الاعتقال، ورغم أن هذا الرقم يظل ضعيفا مقارنة مع دول تتقدم على المغرب في الترتيب، فإننا نتساءل: من هم هؤلاء الاثني عشر صحافيا معتقلا، حتى باحتساب الحالات التي حولها خلاف داخل الجسم الصحافي نفسه، باعتبار أن الملفات التي توبعوا بها كان الطرف المدني يضم صحافيات كذلك، فالرقم لا يتجاوز الثلاثة أسماء.

وختاما، لا يعني انتقادنا لتقرير منظمة مراسلون بلا حدود أن الوضع الصحافي بالمغربي وردي، وأنه لا وجود لمشاكل مرتبطة سواء بالحقوق المدنية أو بالحقوق الاجتماعية أو بالحقوق الاقتصادية، ولكن فقط آثرنا أن نثير مجموعة من الاختلالات في تقرير منظمة مراسلون بلا حدود لنبين الحدود بين الموضوعية وبين التحيز.