السياسة

الإدريسي يكتب : عن الفن والتذوق الجمالي

متابعة السبت 16 أكتوبر 2021
1634326106809
1634326106809

Ahdath.info

بقلم: عبد الرحيم الادريسي/باحث في التواصل وتحليل الخطاب

من المؤكد أننا عندما نتحدث عن الفن فنحن نتحدث عن نشاط إبداعي، يعطينا إحساسا جماليا، سواء أكنا مرسلين للخطاب الفني أم متلقين من خلال المواد الفنية المنتجة. إن الفنان المبدع أيضا يستمتع بإبداعاته أثناء تقديمها للجمهور كما هو الحال بالنسبة لهذا الأخير، أي المتقي صاحب التذوق الجمالي خاصة.

إن سؤال الإبداع يضعنا أمام إشكالية فلسفية واجتماعية بامتياز. لقد أصبحنا نجد في الفن ( الذي يعتقد بأنه فن ) أشخاصا ينتجون خطابات إما أنها تطرح مسألة المعنى والدلالة في الرسالة المرسلة أو بالأحرى معان تتنافى وسمات الفن والفنان الحقيقي. هذا الحال نجده في  مجال الكوميديا على سبيل المثال، وأقصد بذلك سمات الموضوع، كما هو الحال لمواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن أداء وأسلوب الشخص الذي يقدم إنتاجه، لأن مسألة الأداء والأسلوب هي مسألة زمن وتجربة يمر منهما الفنان المبدع.

وعند ربط المسألة أعلاه بقضية "التلقي" سنجد بأن هذه الأعمال وعلى الرغم مما قلناه والانتقادات الموجهة لها - رغم ندرتها- فهي ناجحة وتحظى باهتمام كبير من قبل الجمهور. وهنا، سنجد ذواتنا أمام إشكالية ثانية ترتبط بالمتلقي نفسه، لأن الحديث عن نجاح عمل فني ما، هو حديث عن المتلقي، لأنه هو المعجب الرئيس بتلك الأعمال التي يقولون عنها " فنية "، رغم أنها – حسب رأيي-  لا ترتبط بالفن  شكلا ومضمونا.

إذن فالإشكالية الأساس ترتبط بأزمة جمهور ذواق، أي صاحب الذوق الفني الرفيع، الذي يميز بين  الفن وغير الفن ، وبين الإبداع والتقليد، و بين الفنان وغير الفنان. فنجاحات عدة أعمال تسمى بفنية، تعود لبعض الفئة من الجمهور التي تكتسب تذوقها من خلفياتها المرجعية (الاجتماعية والثقافية) التي تملي عليها معاييرا وصفات خاصة مع شكل ما يمتع ويعجب، من خلال مواضيع بعض الأغاني أو المقاطع الكوميدية،  تجد المتلقي المعجب  يردد طوال النهار كلماتها وتراكيبها. إنه يستمتع ويحس باللذة من خلالها، فيتحول إعجابه من موضوع الأغنية إلى البحث عن مغنيها، فيبدأ في البحث عن كل الأغاني التي ألفها  "الشخص" الذي يسمونه بفنان في الغناء أو الكوميديا أو السينما ...

وعلى النقيض من ذلك هناك فنان مبدع،  ذو فكر فلسفي وأسلوب راق من خلال إبداعاته. إنه الفنان الذي ينتج الفن من أجل الفن، ينتج ويؤدي أداءه لكي يستمتع ويمتع جمهوره الذواق صاحب العين الناقدة  التي لا يعجبها كل شيء، والأذن التي لا تتلذذ إلا بسماع كلمات موزونة ومتراصة إيقاعا ونغما وأخلاقا، فتنسجم أحاسيسه مع فكره، متأنيا إنتاجات الفنان المبدع. إنه الجمهور الذي لا يذهب مع رياح محيطه إلا إذا كان فنا خالصا ولا يتطبع على ذوق الأغلبية. إنه يظل السند الوحيد لكل فنان مبدع، يمكنك مشاهدة أو سماع إبداعاته مع عائلتك أو أصدقائك بفخر وسرور.

 ومما لاشك فيه، إن سبب اختلاف الأذواق بين الفئة الأولى والثانية، يعود إلى عوامل فكرية وسيكولوجية بالدرجة الأولى، واجتماعية بالدرجة الثانية، لأن الفكر الفردي قد لا يتأثر بالفكر الجماعي إذا كان ناقدا يفيئ بين الإيجابي والسلبي وواثق بذاته. أما إذا كان العكس فإن الفرد نتاج المجتمع حتى في تذوقه، فيسير وفق ما يعجب الجماعة  ( الجمهور الذي تحدثنا عنه في الأول ).