الصحراء

الشرعي في "إل موندو": المغرب وإسبانيا.. تاريخ مشترك واحد

بنعبد الله المغربي الخميس 18 فبراير 2021
69029A7C-5BEF-44E2-B4A6-85DE4A07CF97
69029A7C-5BEF-44E2-B4A6-85DE4A07CF97

AHDATH.INFO

أحمد الشرعي

من الصعب فهم العلاقات الحالية بين الرباط ومدريد دون تحليل السياق التاريخي. فبالرغم من أن اقتصادا البلدين يختلفان من حيث المرحلة التي يوجدان بها، إلا أن أوجه التشابه تعد أكثر أهمية مما قد نظنه للوهلة الأولى.

وفي حين أن أحدهما ملكية برلمانية والآخر ملكية تنفيذية، إلا أن الإثنتين لعبتا أدوارا مماثلة في التاريخ القريب.

الملك خوان كارلوس رسخ الديمقراطية بشكل نهائي، وذلك عندما تدخل في 23 فبراير 1981 لوقف محاولة الانقلاب التي قام بها الكولونيل تيخيرو. وهو ما سهل الانضمام إلى أوروبا، وساعد على النمو الاقتصادي، وقدم فرصة لحركة التحرر الاجتماعي، وعلى سبيل المثال، حركة لاموبيدا.

لقد نجح خوان كارلوس في مصالحة أعداء الحرب الأهلية المريعة بصيغة رمزية. وبدون هذه المصالحة، كل شيء كان سيكون مستحيلا.

وشكل تجذر الملكية في المجتمع الإسباني، محفزامحفزا أوقف الاستياء في البلاد. وفي الواقع، فإن الانتخابات الديمقراطية المتتالية، والارتباط بأوروبا، والانفتاح الاجتماعي، وتعزيز حقوق المرأة مدينة بالكثير لقيادة خوان كارلوس. فقط الإسبان المتشددون من أقصى اليسار هم من يشكك في هذه الحقيقة التاريخية.

وموازاة مع ذلك في المغرب، وبطريقة أخرى، قام المغفور له الحسن الثاني بمبادرات مماثلة. فعلى الرغم من المرحلة التاريخية التي عرفت مواجهة مع الملكية، اختار المغرب التعددية السياسية كما اختار اقتصاد السوق منذ استقلاله. ولكن المسلسل الديمقراطي لم يتم إطلاقه إلا في منتصف السبعينيات، وبلغ ذروته بعد عشرين عاما عبر تعيين معارض كبير هو الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي كوزير أول.

وطوال هذه الرحلة الطويلة، حافظ الراحل الحسن الثاني على مساره على الرغم من فترات الاحتجاج والحرب في الصحراء.

واليوم، يواكب الحاكمان الحاليان، الملك فيليب والملك محمد السادس، عصرهما، وقد وضعا أهدافا أخرى، أكثر طموحا، لكنها قائمة على إرث مشترك قوي. وبالرغم من الاختلافات المؤسساتية، ما تزال الملكيتان متحدتان.

ولذلك فمن المنطقي أن تكون العلاقات بين العائلتين الملكيتين في حالة جيدة وتتجاوز الأهواء الدبلوماسية.

ليس هذا فحسب. فأمام هذا الدليل التاريخي المذهل، لا يسعنا إلا أن نضع الخلافات العابرة بين البلدين في مكانها الصحيح. وكمثال على ذلك، حديث رئيس الحكومة المغربية عن سبتة ومليلية أو يساريي بوديموس الذين يتذكرون دعمهم للبوليساريو، رغم مشاركتهم في الحكومة.

لقد ظل المغرب يرفض دوما تحويل الخلافات السياسية إلى صراع. وكان الراحل الحسن الثاني يكرر في عدة مناسبات أن الوضع في هذين الجيبين مرتبط بوضعية جبل طارق. بالنسبة للملك الراحل، فقط عندما تستعيد مدريد سيادتها على المنطقة، سيكون مستعدا للتنازل عن سبتة ومليلية.

إنها طريقة ذكية، لملك كبير، للقضاء على كل ما يمكن أن يشوش على العلاقات بين المغرب وإسبانيا. وفيما يتعلق بقضية الصحراء، فإن الموقف الرسمي لإسبانيا هو دعم عملية الأمم المتحدة التي تستبعد إقامة دولة جديدة.

وليس هناك أي تناقض بين مطالب المغرب بالاعتراف بكامل سيادته على أقاليم الجنوبية ودعم مهمة وسيط أممي جديد يعينه الأمين العام بناء على طلب من إسبانيا، وكذلك استمرار انتشار قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في المنطقة.

ولذلك ينبغي على مدريد أن تستفيد من حسن النية للعمل مع المغرب للوفاء بالتزاماته طويلة المدى لصالح الحكم الذاتي الفعال في منطقة الصحراء وتقلص العوامل المختلفة لاضطرابات اجتماعية محتملة.

إن التعاون وثيق وفعال بين مدريد والرباط في مكافحة الإرهاب. وقد نجم عن ذلك تفكيك العديد من الخلايا. ولذلك فهذا التعاون هو نجاح حقيقي لا يتحقق إلا عندما يتم الوصول إلى مستوى معين من الثقة، كما هو حاصل فعلا. والدليل على ذلك أن المدير العام للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، تم تكريمه مرتين في إسبانيا، حيث حصل على أعلى أوسمة من الأمن الوطني والحرس المدني. وزيادة على ذلك، تم الاعتراف بمجهوداته من قبل وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، الأمر الذي يعد مفيدا لإسبانيا أيضا، بشكل غير مباشر.

ومن جانب آخر، أولى الملك محمد السادس اهتماما كبيرا، على مدى العشرين سنة الماضية، لتعزيز الوجود الدبلوماسي والمالي والأمني للمغرب في جميع أنحاء غرب إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما استثمر المغرب بكثافة في قطاعات رئيسية في جميع أنحاء القارة، مثل الاتصالات والأبناك والفوسفاط.

ونظرا لأن إفريقيا، ومنطقة الساحل خصوصا، باتت بشكل متزايد موقعا للنشاط الإرهابي، إضافة لكونها منطقة يتزايد فيها التدخل الروسي والصيني، فإن إمكانية المغرب في إبراز الحضور كقوة استقرار ستكون أكثر أهمية للمصالح الإقليمية لإسبانيا خلال السنوات القادمة.

ولذلك ينبغي على مدريد أن ترحب بمشاركة المملكة عبر القارة وأن تخطط لمساعدتها، لا سيما في المجالين الاقتصادي والأمني، مع الأخذ في الاعتبار، وبشكل أكبر، كيف يمكن لهذه المساعدة أن تعزز قدرة المغرب على أن يكون عامل استقرار إقليمي.

لقد أصبح محور الرباط - مدريد محورا بنيويا للعلاقات بين شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، لا يجب الاكتفاء بهذا القدر من النجاح. فالتاريخ المشترك والمصالح المشتركة تملي علينا علاقة أوثق.