ثقافة وفن

دافقير يكتب عن فاجعة طنجة: أكاذيب في معمل الموت

يونس دافقير الأربعاء 10 فبراير 2021
147967672_10224253961198708_4696556238538396128_n-2
147967672_10224253961198708_4696556238538396128_n-2

AHDATH.INFO

لنبحث عن ملاذ في ثقافتنا التقليدية ونقول إن الحوادث المأساوية من أقدار الله، وهي مما كتب علينا القدر ولا راد لقضاء الله، لكن ثقافة المؤسسات لا تحتمل الحديث عن «مصنع سري» كما تتحدث ثقافتنا عن القدر كسلطة سرية، الواقع يؤكد أنه مصنع معلوم ومعروف لكنه غير قانوني لأنه يشتغل خارج الشروط النظامية مثله مثل العشرات من أنشطة القطاع غير المهيكل.

علينا حقا أن نتساءل من أين جاء مهندس البلاغ بعبقرية «معمل سري» بينما نفس المعمل سبق وزارته قناة إسبانية قدم طاقمها نفسه على أنهم تجار في قطاع النسيج يريدون إنجاز مشروع، والمعمل نفسه نشرت صوره ومعها نصوص تقول: «إنها ورشة لصناعة الملابس بدت لنا صغيرة»، و«هنا نستطيع إنتاج ثلاثة آلاف قطعة من الملابس أسبوعيا» و«في هذا المكان يشتغلون على الأقل تسع ساعات يوميا مع نصف ساعة استراحة».

هل إسبانيا أقرب إلى معمل الموت في حي الإناس بطنجة من عمالنا ومنتخبينا وعشرات الباشوات والمقدمين التابعين لولاية طنجة؟

أول أمس عم الغضب قلوب الناس، والجزء الأكبر من هذا الغضب سببه هذا الاستخفاف بعقل الجمهور، سببه البحث بطريقة هستيرية مهرولة عن مخرج من الورطة لمن يفترض أنهم مسؤولين عنها، لقد كان عذرا أفظع من حجم المأساة، وظـهر أن بعض مسؤولينا، وخوفا من المحاسبة وللإبقاء على أنفسهم فوق كراسيهم، يستطيعون ابتداع الأطروحات الأكثر كاريكاتيرية ودرامية.

ولذلك، من الخيمة خرجت الحادثة وبلاغها مائلين، ولا أحد من مسؤولي الإدارة يحق له التباكي على سقوطهم المدوي وسط الرأي العام.

وكان بإمكاننا، أيضا، أن نبتلع وجود مصنع لا يستوفي الشروط القانونية ليكون وحدة إنتاجية معترف بها إداريا، وسنجد لذلك مسوغات في ضغط الأزمة الاجتماعية والحاجة لخلق فرص شغل، وسنبتلع ما يتطلبه ذلك من مرونة في تأسيس الوحدات الإنتاجية وغض الطرف عنها لكونها تدخل في «الاقتصاد الاجتماعي» مثلما كنا نغض الطرف عن التهريب وما جاوره، وأن الإغلاق سيترتب عنه إعدام مصدر رزق عشرات الأسر..

وسنتوغل في البحث عن ظروف التخفيف بأن نقول إن هذه الوحدة مثلا ومنها العشرات بل المئات هي في صميم ورش اقتصادي انطلق منذ سنوات للإجابة عن سؤال كيفية تنظيم القطاع غير المهيكل وإدماجه في الدورة الاقتصادية الوطنية، وسنقول، أيضا، أن استكمال هذا الورش هو الوحيد الذي سيسمح بإدماج الفئة العاملة في هذا الجحيم وسط عوالم قوانين الشغل..

لكننا لن نفهم كيف تغلق محلات تجارية أو وحدات صناعية لأنها لم تحترم إجراءات الطوارئ الصحية، بينما يسمح لمعمل طنجة بأن يجمع عشرات الناس في القبو في عز تدابير الوقاية الصحية، وكيف يتم تكديس عشات الأرواح في مساحة ضيقة تعرضها كهدية غير محروسة للوباء؟ وكيف أن لا أحد نبه مالك المصنع إلى إيجاد صيغ للتحفيف من الاكتظاظ؟

وإذا اعتبرنا أن طبيعة النشاط الصناعي وكونه من القطاع غير المهيكل يجعلانه لا يخضع للحد الأدنى للأجور، فإن غير المفهوم هو أن يتم التغاضي عن إجراءات السلامة المفروض في المعامل والمصانع؟ وكيف يتم سجن الناس داخل قبو لأن الفرضية تقول إنهم لصوص إلى أن ثتبت براءتهم؟ وكيف يتم استعمال عقار كمعمل دون أن تتوفر فيه الشروط النظامية في المعامل ومنها منافذ الإغاثة؟

وعلى أحدهم، أيضا، أن يجيبنا كيف يسمح بتشغيل أطفال قاصرين رغم القيامة التي قامت في البلاد من أجل وضع قانون يمنع تشغيل القاصرين والقاصرات؟ وكيف يسمح لطفلة في الرابعة عشرة من عمرها أن تقضي مراهقتها في قبو الموت وتلقى حتفها فيه رغم وجود القانون؟

الواضح أن كل هذه الأسئلة والكوارث لم تكن تهمهم، كان يهمهم فقط أن المعمل «سري».

وهذه رواية كارثية تريح ضمير المسؤولين، لكنها تثير الفزع حقا؟ فإذا سلمنا بأن المعمل سري لا علم للسلطات بوجوده وهو الذي يشتغل منذ سنوات طوال، فما علينا إلا أن نكون مستعدين للكشف يوما عن وجود معامل لتصنيع المتفجرات أو للاتجار في أعضاء البشر، فكما أن هناك إمكانية لمعامل سرية في قلب المجال الحضري فإن هناك أيضا إمكانية لمصانع إجرامية سرية.

هذا كله عبث وقلة مسؤولية، ومدعاة للسخرية، والعبثي أيضا أن تتحول المأساة إلى لعبة لتقاذف المسؤوليات: أن يلقيها الوالي على عاتق العامل، والعامل على الخليفة، والخليفة على القايد، والقايد على المقدم، والمقدم على رئيس المجلس الجماعي والمجلس الجماعي على رئيس المقاطعة، والمنتخبون على رجال السلطة ورجال السلطة والمنتخبون على الوزارة والحكومة.

وكل هؤلاء مسؤولون في نهاية المطاف كل من موقعه وحسب نصيبه. لكنهم يخافون من ربط المسؤولية بالمحاسبة، فيعمد كل واحد منهم إلى رمي كرة النار بعيدا عنه.

لكن هذه الكرة لم تجد من يقول أنا من أشعلها، وجدت فقط عبقريا يقول: «مصنع سري». بينما الواقع أن المسؤولون في هذه الحالة هم الكائنات غير المرئية في صناعة مأساة تتوفر فيها كل شروط العلنية.