آراء وأعمدة

خسارة لا تقدر بمال!

طه بلحاج الثلاثاء 02 فبراير 2021
Abouyahda-chronic
Abouyahda-chronic

AHDATH.INFO- محمد أبويهدة

الكثير من الفئات تضررت بسبب الجائحة. الخسائر تقدر بالمال عادة.. ملايين الدراهم بل الملايير.. لاسيما الاقتصادية منها.. والاقتصاد هو شريان الحياة الأساسي.

مختلف الفئات الاجتماعية تضررت سواء بتراجع مداخيلها أو حتى بتوقفها مؤقتا أو بشكل مستمر إلى حدود اليوم، وتحاول أن تدبر معيشها اليومي بشكل من الأشكال. هناك فئات غيرت نشاطها المهني فبعد أن فقدت عملها تحولت إلى التجارة البسيطة.. وهناك فئات لجأت إلى الأنترنت لترويج بضاعتها.

المقاولات هي الأخرى أصبحت فقط تبحث عن التوازنات، لم تعد تحصي الخسائر بالرغم من دعم الدولة، الذي لا يمكن إنكار أهميته في الظروف الراهنة، لكنه لم يمنع وقوع العديد من المآسي الاجتماعية والإنسانية.

لكن ليس دائما يمكن تقدير حجم الخسائر بالمعيار المادي.. هناك فئات كانت من بين أكثر المتضررين لأن تأثيرات الجائحة تمس حاضرها ومستقبلها بشكل مباشر.

خسائر طلبة الجامعات لا يمكن حصرها ماديا لأنها ذات طابع فكري ومعرفي وثقافي.. تدبير الجائحة مس باستقرارها الاجتماعي والدارسي وبمسارها المهني أيضا.

حياة الطالب الجامعي لا يمكن أن تختزل في حاسوب.. لا شيء يمكنه أن يعوض الحياة داخل الحرم الجامعي بالنسبة لطالب يتلمس طريقه نحو المستقبل.. الجامعة ليست فضاء فقط لتلقي الدروس والمحاضرات.. الجامعة أسلوب للعيش لا يمكن أن يغلق الطالب على نفسه في نفس المدرج ليستمع إلى صوت واحد يفترض أنه دعامته الأساسية في المعرفة.. تنقل الطلبة من محاضرة لأخرى ومن مدرج إلى آخر ومن قاعة المكتبة الفسيحة إلى حلقات النقاش وبينهما استراحة بمقصف الكلية، ثم حوار مع أساتذة ومؤطرين وباحثين، هذه هي الحياة الجامعية.

حياة الطالب الجامعي لا يمكن أن تختزل في حساب بريدي إلكتروني يتلقى من خلاله دروسا متفرقة تصب في إطار المسلك الذي اختاره.. بل هي حياة بحث عن المعرفة بشتى أنواعها وبالأساليب العلمية المتعارف عليها..

لا ينتهي يوم الطالب الجامعي بالكلية إلا ليبدأ في مكان آخر.. حياة أخرى تبدأ في الحي الجامعي، الذي يأوي الطلبة القادمين من مدن مختلفة لا تتوفر فيها كليات تدرس التخصص الذي اختاروه.

الحياة في الحي الجامعي مدرسة بحد ذاتها.. عشت شخصيا لسنوات في الحي الجامعي مولاي اسماعيل بالرباط.. وبالرغم من تواضع الفضاء الشبيه بثكنة عسكرية، سواء على المطعم، أو على مستوى الإيواء، حيث تضم غرفه الفسيحة 24 سريرا، إلا أن حميمية الفضاء والجو الذي يخلقه طلبة ينتمون لمناطق جغرافية متباعدة وأحيانا من بلدان أجنبية، لا تجعل الحي الجامعي مقرا للإيواء فقط، بل ساحة كبرى للتعلم اليومي.

ترك الطلبة عرضة للضياع يصارعون وحدهم المشاكل اليومية والفراغ القاتل، هي خسارة حقيقية لا تقدر بمال.. لا يمكن بأي حال من الأحوال تقييم الفكر والمعرفة ماديا..

في المجتمعات المتقدمة تحفظ المعرفة للفرد مكانته الاجتماعية، أو بلغة بيير بورديو، هي جزء من مجمل الرأسمال الرمزي للمجتمع بغض النظر عن التأطير السوسيولوجي للمفهوم..

بلغة الاقتصاد فإن إفلاس التجار لا يتحدد في ضياع الأرباح ولكن في ضياع رأس المال.