آراء وأعمدة

يونس دافقير يكتب..المغرب الليبي

أحمد بلحميدي الثلاثاء 08 سبتمبر 2020
ليبيا
ليبيا

AHDATH.INFO

لا يبدو أن الحوار الليبي/ الليبي في بوزنيقة قد خلق الحدث لدى النشطاء المغاربة، خصوصا لدى أولئك القاطنين في كل القضايا المطروحة والمفتعلة في شوارع وأزقة وسائل التواصل الاجتماعي.

والظاهر أن وضع راية لبنان وترديد أغاني فيروز وماجدة الرومي عقب انفجار مرفأ بيروت في البروفايلات، ثم وضع رايات السودان عقب الفيضانات … تعبر عن إنسانية مغربية عميقة، لكننا لم نشاهد هذا العمق الإنساني في التضامن مع الشعب الليبي الذي أنهكه ومزقه الاقتتال الداخلي والإقليمي.

ومن الواضح أن حتى مشاعر التضامن الإنساني العابر للحدود، فيها أيضا حسابات أخرى غير حسابات الإنتماء الكوني الإنساني، وقد يتضامن الواحد منا مع الثورة في فنزويلا ويستفيض في شرح أبعادها ومستقبلها الزاهر، ولا يلتفت ليرى، على بعد بضعة آلاف من الكلمترات، أشقاء له، بيع لهم وهم «الربيع العربي» فتحول إلى خراب دموي.

لكن ليبيا قد تلفت انتباههم وتتحول إلى حدث كبير، ويحدث ذلك فقط حين يرسل «السلطان» رجب طيب أردوغان قواته إلى جيراننا في الشرق، ويلقي عليهم خطبته حول التاريخ العثماني المجيد، حينها فقط سيشرح لنا هؤلاء فوائد التواجد العسكري التركي على الحدود الشرقية مع مصر ومع عبد الفتاح السيسي، وسيشرحون لنا أيضا بمنطق المقايضة والابتزاز أن أنقرة ستعيد لنا الاعتبار لاتفاق الصخيرات وستواصل اعترافها بمغربية صحرائنا.

وحين سعت الجزائر إلى سرقة موصوفة للحوار الليبي من المغرب من باب «إنا عكسنا»، لم يهتم هؤلاء بذلك، ثم وجدوا ضالتهم في مؤتمر برلين ليتباكوا على أخطاء الدبلوماسية المغربية وتقصيرها في تدبير الملف الليبي، وحدث ذلك ليس حبا في الديبلوماسية وفي ليبيا، ولكن نكاية في البلد الذي أقصته حسابات القوى الإقليمية والدولية لأسباب تتعلق بتوزيع الغنيمة بعيدا عن أعين الجيران والأشقاء المقربين من الضحية.

وهاهي الديبلوماسية المغربية تشتغل بصمود، وحرفية وطول نفس، وهاهم الليبيون يعودون للاجتماع في بوزنيقة المغربية بعد اجتماعهم سابقا في الصخيرات، لكن حسابات المؤلفة قلوبهم وجيوبهم في وسائط التواصل الاجتماعي يتعاملون مع الحدث وكأنه لم يكن، أو أنهم تلقوا تعليمات بتجاهله، وحتى الأشد كرها منهم لدولة الإمارات العدو اللذوذ لكفيلهم الايديولوجي التركي، وجدوا في هجومها على اجتماع بوزنيقة «نيرانا صديقة» وتعاملوا معها بشعار الأصوليين في السياسة والمعاملات: « اللهم اضرب الظالين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين» ولو كان أردوغان من كبار الظالمين.

مؤسف حقا، أن تفضل التعاطف مع حسابات الأجنبي في رقعة إقليمية قريبة منك، على أن تتفاعل مع تحركات بلدك، مؤسف حقا أن تبخس كل حركة تصدر عن عاصمتك الرباط فقط لأنك لا تتفق مع وضع سياسي معين، أو أنك فشلت في تحقيق أجندة معينة، أو أنك تسكن معنا هنا بينما قلبك وعقلك هناك.

لكن المغرب الذي عودنا دائما على انتصاره الحكيم والهادئ لقضايا الشعوب هو أكبر من أن يقف عند حماقات بعض أبنائه، هذا المغرب لا يرى في الملف الليبي امتدادا قوميا لنا، ولا يرى فيه سوقا للغاز والبترول النقي، ولا يرى في ليبيا بؤرة عسكرية لحصار مصر، ولا يجد في تلك لأرض الطيبة طاولة لصفقات المحاور …

المغرب ينظر إلى ليبيا على أنها تخص الليبيين وحدهم، ويؤكد على أن كل تدخل أجنبي سياسيا كان أو عسكريا هو تأبيد للأزمة وليس تسوية لها، هذا المغرب يعرفه الليبيون ويعرفهم، ولذلك وحين تفرقت بهم السبل بعد برلين وغيرها، عادوا إلى هنا، إلى حيث القناعة وليس الأطماع، وحيث القناعات وليس الصفقات، وحيث قضايا الشعوب وليس حسابات القادة وطموحات جنون العظمة لديهم..

هذا هو المغرب الليبي ، لكنهم لا يحبون ليبيا مغربيا إلا حين تكون بنكهة تركية، ولا يحبون المغرب الليبي إلا فوف طبق تركي.