ثقافة وفن

بوعزيز: كورونا فرصة لإنتاج مغرب جديد

طه بلحاج السبت 25 يوليو 2020
BOUAAZIZ_DAFKIR 2
BOUAAZIZ_DAFKIR 2

AHDATH.INFO- حاوره: يونس دافقير/ تصوير: محمد وراق

قال المؤرخ والباحث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك مصطفى بوعزيز في حوار مع الأحداث المغربية وموقع أحداث أنفو إن الدولة ليست وحدها مسؤولة عن ترددات الانتقال من المحافظة إلى الحداثة. فيما يلي نص الحوار

*أفردت في منجزك العلمي «الوطنيون المغاربة في القرن العشرين» حيزا كبيرا لتحليل ما أسميته ترددات هؤلاء الوطنيين في الانتقال إلى الديمقراطية، وقد حصرتها في الملكية، الدين، والهوية. أنت عاشرت الراحل عبد الرحمان اليوسفي في اجتماعات القيادة العليا للكتلة الديمقراطية. إلى أي حد يشكل اليوسفي نموذجا لهذه الترددات؟

** لنا طموح كمغاربة في الانتقال إلى الحداثة والتأسيس للحداثة المغربية، ولكن في هذا الانتقال من المحافظة كبنية إلى الحداثة كبنية مغربية، هناك ترددات، وهذه الترددات الموجودة الآن في الحالة الحالية هي أربعة في نظري.

إذا قمنا بمقاربة دائما من فوق لما يعتمل في عمق المجتمع المغربي، سنجد أن هناك أربع مجموعات فكرية عقلية اجتماعية موجودة في المجتمع، وفيها توجهات وكل توجه فيه تردد كبير.

هناك توجه ملكي يخترق كل المجتمع ولديه جذور في المجتمع، وهو مبني على المجتمع البتريياركي والشيخ والقبيلة، هو نموذج يتوالد من الخلية الصغيرة للأسرة، وهذا التوجه رغم أن له حدس ربما أقوى من الفئات الأخرى بأن هناك مشكلا مع العصر وبأنه يجب الانتقال إلى العصر، لكن في كل مستوى من مستوياته هناك تردد، وهذا التردد موجود في المستوى السياسي.

التردد، الذي كان لدى سيدي محمد بنعبد الله ظل موجودا عند الحسن الثاني، يعني رغبة في التفاعل مع العصر، لكن وفي نفس الوقت هناك خط أحمر لا يمكن تجاوزه هو التردد. وهذا التردد موجود في نوعية الشرعية المؤسسة للنظام السياسي المغربي الذي هو نظام محافظ مبني على شرعية محافظة ليست عنصرا ضمن النظام السياسي بل هي خارجه، وهي سامية على كل الشرعيات الأخرى قبلية أو دينية أو علمية.

والآن دخل المغرب إلى التجربة الديمقراطية من خلال الانتخاب واختيار ممثلي الشعب، وهي شرعية شعبية لكنها لازالت دون الشرعية الملكية الدينية والتاريخية التي هي شرعية أسمى، والحداثة لا يمكن أن تتأسس في مثل هذا النظام إلا بسمو الشرعية الشعبية على كل الشرعيات الأخرى بما فيها الشرعية الملكية، وهذا فيه تردد ومايزال منذ عهد سيدي محمد بنعبد الله.

ثم هناك توجهات التحرر الوطني التي كنت أسميها في أبحاثي «الحركة الوطنية المغربية»، ثم أسميتها «الحركة الوطنية الديمقراطية»، أما في العمق فهي توجهات تحررية وطنية، أي أن لديها مفهوما سياسيا للوطن، وهذا ما يفرقها عمليا عن الفكر وعن التصورات والتوجهات المحافظة. كلمة الوطن لم تكن تعني التراب، كانت تعني دينيا في التعبير مقولة «حب الأوطان من الإيمان» وعندما نسأل الفقيه ما هي الأوطان يقول مكة والمدينة، وهو مفهوم روحي للوطن مرتبط بالأمة الإسلامية، لكن الوطن الترابي هو جديد عند المغاربة، والأرض كانت تسمى أرض الإسلام أو أرض السلطان، والحدود بشرية وليست ترابية، أي أينما كانت قبيلة أو مجموعة بشرية بايعت السلطان ووضعت البيعة في عنقه فهي أرض الإسلام وأرض السلطان، لذلك ظل الوطن خاضعا لهندسة متغيرة، قد يتوسع وقد يضيق.

لم ينتج المغاربة مفهوم الوطن الترابي إلا حديثا، يعني بعد احتلال الجزائر في 1830 وحتى بعد احتلال الجزائر وقع اضطراب بين 1830 و1844 لأن سكان غرب الجزائر أتوا إلى السلطان مولاي عبد الرحمان وعلى رأسهم الشيخ محي الدين فبايعوا السلطان مولاي عبد الرحمان لأن فرنسا دخلت الجزائر المدنية، المواصلات كانت ثقيلة والمقاومة منعت الاستعمار الفرنسي من الوصول إلى الغرب، فبايع هؤلاء الأعيان السلطان المغربي لكنه تردد، وعندما استشار علماء القرويين قالوا له إنه لا يجوز لسلطان المسلمين أن يرفض بيعة المسلمين، فقبل وبعث ابن عمه وحكم لمدة سنتين منطقة تلمسان، ولكن مع السنوات، ومع الحس السياسي للسلطان مولاي عبد الرحمان، لأن فرنسا أقوى بجيشها، بدأ يتراجع وقال للجزائريين أنتم إخواننا المسلمين، لكن أنتم جزائريون ونحن مغاربة، والحدود بيننا هي الحدود التركية، قاوموا ونحن نساعدكم، هنا بدأت مقاومة الأمير مولاي عبد القادر والمقاومة الجزائرية، إذن بروز الوطن الترابي…

* هل شكل كوفيد لحظة للتضامن بين المجتمع والدولة؟

** كانت هناك ردود فعل إيجابية، يمكن أن ألخصها في اثنين، رد الفعل الأول مجتمعي مرتبط بالحياة، أي أنه كانت هناك أشكال متعددة للتضامن، لأن هناك من انزلقت به الأمور لدرجة التسول، والبعض الآخر منعته فقط عزة النفس،  وبالتالي ظهرت مشاهد تضامن في العديد من المناطق سواء في القرى أو المدن، ولو أن قاعدة هذا التضامن إحسانية، تقول على أساس الثقافة الدينية المستبطنة، وبالتالي فالمنظومة التنموية الجديدة يجب أن تتحول إلى منظومة مدنية، أي منظومة غير قائمة على الإحسان والصدقات، وإنما على  تضامن مجتمعي موجود بكل آلياته، من خلال تطوير المنظومة الصحية، تطوير منظومة الشغل، كذلك في ما يتعلق بمساعدة الشباب إلى غير ذلك من الأمور التي يجب أن ترى النور.

أما رد الفعل الثاني، فهو النقاش عبر المنصات الإلكترونية، إذ لم يسبق للندوات أن عرفت نشاطا كبيرا، من خلال المنصات، إلا في هذه الآونة، حيث نتج عن مقترحات عبر النقاش العميق الذي دار، يكفي فقط جمعها وانتقاء المقترحات النيرة منها، فخلال مرحلة الحجر كان هناك نوع من الانتفاض. انتقاض من حيث التضامن، وانتفاض آخر على الصمت، حيث خرج الفلاسفة والمؤرخون ورجال الاقتصاد عبر المنصات الإلكترونية، حيث كانت نقاشات مفيدة انخرطت فيها كفاءات مهمة، وبالتالي يجب الإنصات إليها.

* هل ننظر إلى ما بعد «كوفيد» بتشاؤم المؤرخ الذي يؤمن بالبنيات والعقليات التي تشكلت على مدار مائة سنة، أم أنه سيؤمن بتفاعل الفاعل السياسي الذي يؤمن بتفكيك هذه البنيات مهما ترسبت تاريخيا وتأسيس انطلاقة جديدة؟

** أتمنى أن أكون خاطئا، لكن الملامح التي تبدو لي كمؤرخ أن قوس كورونا سيغلق، لكن الخوف أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة، لأنه هناك نوعا من الإغراء أنه من الممكن حكم المغاربة باليد القوية، هذه مؤشرات ألتقطها كمواطن وباحث يشتغل على الشأن العام. من طبعي أن متفائل، ومن هنا أقول إن الوضعية الحالية تفوق وضعية الأزمة القلبية، طبعا الأمر يتعلق بالمجتمع المغربي والمجتمعات المغاربية، فما يجري في الجزائر مشابه لما يجري في المغرب ويحمل نفس المخاطر، وما يقع في ليبيا لا يخفى على أحد، بقيت التجربة التونسية، وإن كانت مفيدة فهي الأخرى مهددة بالسياق الذي تحدث عنه، وبالتالي أقول الإنسان دائما يمكنه أن ينتقض وأن يتوقع الجيد، ففي هذه اللحظة ورغم أنني لست مسؤولا سياسيا، إنما فقط مواطنا مؤرخا يفكر، أرى أنه نظرا لمركزية الملكية في البنيات المغربية المختلفة أن يكون توجها ملكيا لاستنهاض الأمور، خصوصا في ما يتعلق بالنموذج التنموي، لا أخفي عنك فكل حديث عن استبدال هذا بذاك وهذه الحكومة بتلك أو انتظار الانتخابات المقبلة أو غير ذلك فكل هذه الأمور بالنسبة لي تأتي في مرتبة ثانية بعد الصدمة الإيجابية للانتفاض على هذا الواقع الذي نتواجد فيه، الآن عالم جديد يتهيكل أمامنا والقوى الكبرى تتصارع، وبالتالي هذا العالم الذي يتشكل أمامنا يبرز بألم شبيه بولادة عسيرة حاملة لألم كثير، إذا لم ننتقض بشكل إيجابي وجماعي لنكون غدا شركاء في هذا العالم الذي يولد أمامنا سنكون عبيدا في العالم الجديد.