آراء وأعمدة

المختار لغزيوي يكتب: دير عليها شي فيديو آحميد!

طه بلحاج الخميس 23 يوليو 2020
MAHDAOUI_MOUNJIB
MAHDAOUI_MOUNJIB

AHDATH.INFO- المختار لغزيوي

نبرة الصوت مزعجة في العادة، وفي حشرجات تلقيها أو الإنصات إليها علامات انزعاج وتأفف كثيرة. لكنها هاته المرة كانت بالفعل أكثر إزعاجا، وأكثر إيلاما للأذن وللعقل أساسا.

كان حميد المهداوي، الصحافي المغربي الذي أنهى مدة محكوميته يوم الإثنين الماضي، يتحدث عن موقف عبد الله البقالي منه في فيديو من الفيديوهات السيارة التي تملأ عوالم الأنترنيت المغربي. فجأت ندت عن المعطي منجب، بلكنة غير لائقة كثيرا، عبارة اعتقدها في الوهلة الأولى ضاحكة مضحكة «دير عليها شي فيديو آحميد».

سرى استنكار كبير وسط الحاضرين لتصوير الفيديو لتدخل المعطي، والتقطت عدسات الهواتف التي كانت تصور المهداوي وهو يتحدث عبارات «صه» أو «إخرس» أو «أسكت» أو «أصمت» الكثيرة التي عبرت عنها صرخات «شوووووت» من طرف المحيطين بالتصوير.

تلقف المعطي من خلف القناع الذي كان يضعه حرجا لم يكن بوسعه أن يداريه. لعله سأل نفسه في تلك اللحظات «آش كندير وآش كنقول؟» مع أن الأمر مستبعد من رجل مثل هذا الرجل ينتحل صفة صحافي ولا يتردد في القول إنه هو معلم الصحافة الاستقصائية الأول في المغرب مع أن الصلة الوحيدة التي تربطه بالصحافة هي صفة الاعتداء عليها، وينتحل صفة مؤرخ رغم أنه لم يستطع أن ينال شهادة علمية تؤكد ذلك، وينتحل صفة حقوقي رغم أن أميالا عديدة تفصله عن الصفة هاته

هي الأخرى، وينتحل صفة باحث مع أن شركته للأبحاث ظل تميزها الأكبر هو أنها من بين الشركات المدرة للدخل قبل أن ينفضح أمرها في حينه وأوانه…

ومع الإضحاك المزعج في النازلة، هناك شيء آخر أهم، أكبر، وأخطر، يتعلق بهاته الطينة من «غرارين عيشة» الذين يهمهم أن يذهب الكل إلى السجن، شرط أن يبقوا لوحدهم على قيد الحرية في الأنترنيت لكي يكتبوا شيئا، لكي يقولوا شيئا، لكي يربحوا شيئا، ولكي يستمروا على قيد ما يعتقدونه الحياة والوجود.

الذين يعرفون حميد المهداوي قبل أن يشتهر حميد بفيديوهات «بديل» وعبارته الشهيرة «زوار موقع بديل…» التي أوصلته إلى ما وصل إليه، يعرفون أن الرجل ليس حمل كل هاته الأشياء التي أراد «غرارو عيشة» تحميله إياها.

حملوه - لا سامحهم الله - ما لا طاقة له به، حتى وجد نفسه في غير ما مأزق وغير ما مشكلة. وإذ ابتهجنا جميعا لرؤية الرجل، وهو يحتضن أسرته الصغيرة في ذلك المشهد المؤثر والإنساني الذي لا يمكنك إلا أن تفرح له إذا كنت سوي التكوين والشعور، فإننا في الوقت ذاته نتمنى أن يتلافى الرجل أناسا من طينة صاحب العبارة غير المؤدبة «دير عليها شي فيديو آحميد» التي ذكرت الكل بتشوه مجتمعي آخر هو المسكينة «مي نعيمة» في الفيديو الذي يتداوله المغاربة ضاحكين/ متألمين للمستوى الجماعي السائر نحو الانحدار «إيوا يا حميد فين راك حتى نتا تمص مصيصة من هذا».

مصيبتنا في هاته النخبة المزيفة التي تعتقد أنها تصنع شيئا، وهي تردد كلاما من هذا القبيل مصيبة أكبر من الوصف فعلا. وإذ نراها تقسم الناس حسب هواها وحسب درجة اتفاقهم أو اختلافهم معها، ولا تستطيع تقبل هذا الاختلاف، نطرح السؤال فعلا إن كانت أفضل من الذين تصفهم بالمتحكمين الذين يتركون على الأقل للآخر الفرصة في أن يعبر عن آرائه وأفكاره وإن خالفتهم، ولا يسبونه منذ الدقيقة الأولى وحتى نزول ستار الختام مثلما يفعل المعطي ومن معه.

الحكاية تحولت إلى مقلب سخيف قوامه «دير عليها شي فيديو آحميد»، معناه الأساسي والمحتوى الشائع الذي يهمه أن تضع شيئا ما على الأنترنيت وأن تمضي. أن تقضي حاجتك فوق رؤوس الناس. أن ترتكب ما ترتكبه دون أن تفكر فيه ولا في تبعاته. المهم أن «تطلقها» وبعدها لكل حادث حديث.

بمثل هذا التفكير هل سنتقدم كثيرا إلى الأمام؟

المنطق السليم يقول لا. العقل السليم يقول لا، والتاريخ وقرءاته وكل ما وقع منذ العقود البعيدة، وحتى السنوات القريبة يقول لا.

هاته النخبة المزيفة لا يمكن إلا أن تنتج خطابا مزيفا أكثر منها.

نقولها بحزن شديد لأننا كنا نأمل الأفضل، وكنا نحلم بأن نسير في الخط التصاعدي العادي إياه: فمن كان لديه في الستينيات معارضون من طينة المهدي بن بركة والسلسال الماجد والرعيل الأمجد المشابه، من العيب أن يتردى به الحال إلى أن يصبح المعطي أو عمر أو سليمان أو بقية «الشلة» إياها هم وجوه «المعارضة» لديه، ولك أن تضعها بين كل مزدوجات الكون لأن الكل عاجز عن تصديق هاته الصفة المنتحلة الأخرى.

في الختام، وهذا مجرد كلام عابر في زمن كورونا وزمن الاطمئنان على «مناعة القطيع» قبل عيد الأضحى بأيام، هاته مجرد حشرجات مكتوبة استفزتها حشرجات الصوت المزعج إياه، وهو يضحك بشكل بعيد عن اللياقة الآدمية، ويطلب من الرجل الخارج للتو من سجنه دون مراعاة أي شيء، أنه «يدير عليها شي فيديو آحميد».

فقط لا غير…