آراء وأعمدة

حزب 2021

دافقير يونس الاثنين 20 يوليو 2020
PARTIS_SYMBOLE
PARTIS_SYMBOLE

AHDATH.INFO

كي تضع تصورا للحزب، الذي تعتقد أنه يجب أن يكون جوابا من الناخبين المغاربة على أسئلة ما يحيط بهم وما ينتظرونه، ينبغي لك أن تعود إلى بعض من تفاصيل القصة أو عناوينها العريضة على الأقل، فحزب 2021 يجب أن يقوم على أنقاض ما ورثناه من 2011.

دفنا 2011

سنة 2011 اتخذت كل التدابير كي يفوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية التي ستقوده إلى تشكيل الحكومة شهر يناير 2012 (حصر تشكيل الحكومة من الحزب الفائز واستبعاد التحالف الأول، إخضاع البام لريجيم انتخابي قاس، تحرير قدرة البيجيدي على تغطية جميع الدوائر الانتخابية..)، كان واضحا، كما توقعت ذلك شهر شتنبر من نفس السنة، أن المغرب يشتغل على تقديم جواب وطني على ما يجري في محيطه الإقليمي.

في جانب، كان هناك مد البرلمانات والحكومات الإخوانية باسم «الربيع العربي»، وفي إحدى ترتيبات ذلك كانت هناك سياسات الديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية ومن سار على منوالهم في أوروبا، والتي ضغطت في سياق تقديراتها لمواجهة إرهاب تنظيم القاعدة، بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر، من أجل إدماج الإسلاميين المعتدلين في أنظمتهم والضغط من أجل ذلك.

كان ظهور «داعش» ضربة عنيفة لهذا التقدير أو المشروع السياسي، وفي نفس الوقت عبر صعود دونالد ترامب في واشنطن عن توجه جديد مغاير تماما، حتى أن ترامب ذهب إلى حد التفكير في إدراج جماعات الإخوان المسلمين في لائحة التنظيمات الإرهابية، يعبر الإسلاميون عن ذلك بدقة في تنظيراتهم وتقديراتهم الجديدة من خلال عبارة «السياق الدولي الجديد».

من هذه الزاوية، ومع التجربة المأساوية لإسلاميي مصر في موقفهم من الديمقراطية، وبعد أن كانت سوزان رايس تقدمت بمقترح أمريكي لفرض عقوبات على نظام عبد الفتاح السياسي، سيقلب الأمريكيون صفحة الإسلاميين، تماما كما سيحدث في أوروبا بعد ذلك.

هذه اللعبة أكبر في تعقيداتها من حسابات إماراتية أو سعودية طارئة، ومن مناورات قطرية أو تركية قيد التلاشي، والمهم فيها، أننا نعيش خريف الإسلاميين بعد ربيعهم، ونعيش يأسهم بعد فورة طموحاتهم.

وقد تغير العالم من حولنا كثيرا، لقد انتقلنا من الظاهرة الإسلامية إلى ظواهر هوياتية أكثر انغلاقا، دونالد ترامب نموذج حي للانغلاق الاقتصادي باسم الهوية الوطنية الأمريكية، وفي أوروبا يتراجع اليسار واليمين التقليدي أمام النزوعات الهوياتية العرقية، أو الوطنية، يبدو العالم من هذه الزاوية وهو يسير نحو تصادمات هوياتية وطنية بعد أن كانت تشغله الهويات الإسلاموية الدينية.

هذا تحول ومعطى جوهري ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند البحث عن تحديد ما هي القوة السياسية الحزبية، التي يمكن أن يقدم من خلالها المغرب جوابه الوطني في 2021 على تحديات محيطه الإقليمي والدولي.

وفي بيئتنا الوطنية تغيرت الأمور كثيرا، المعادلات السياسية التي أعقبت «الربيع العربي» تغيرت، والانتظارات التي واكبت ذلك تلاشت، لم يستطع الفاعل الحزبي الذي يقود الحكومة تحويل النص الدستوري ذي الروح الديمقراطية إلى معيش سياسي وليس إلى حروف على الورق، الانتظارات الاقتصادية والاجتماعية تراكمت وتضخمت، التعبيرات الاجتماعية الجديدة في ميولاتها الحادة كانت محاكمة جماهيرية قاسية لهذه التجربة التي امتدت عشر سنوات، وعبرت عنها مجلة «جون أفريك» بمقولة تسع سنوات من أجل لا شيء.

في التسع سنوات الماضية أيضا، لم تكن السياسة في خدمة الديمقراطية، ولا التنمية، الحزب الذي قاد الحكومة جر الطبقة السياسية إلى حرب استنزاف وإنهاك طويلة الأمد، وكان على الدولة في كل مرة أن تدفع من رصيدها لإطفاء لهيب التوترات، استبعاد الزعامات الصدامية كان واحدا من فاتورات هذا الدفع، خطاب العرش في يوليوز 2017 كان احتجاجا حاد اللهجة قوي الخطاب.

ماذا كانت حصيلة كل ذلك؟ سلسلة مشاريع اجتماعية من أجل الإنقاذ الاجتماعي للسياسة، وسلسلة تعديلات حكومية لرفع منسوب الكفاءة، لكن النتيجة ظلت نفسها: أزمة ثقة عميقة، ونزيف حاد في مصداقية وفعالية مؤسسات السيادة الشعبية.

 2021.. جواب جديد

كنت من الناس الذين دافعوا عن فكرة أن الجواب عن سؤال الإنهاك السياسي الذي تعرضت له الأحزاب والحقل السياسي يكمن في تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة تقنقراط، ومادام أن الجماعة الوطنية قد اتفقت على انتخابات في موعدها وتشبثها بمسار الحكومات السياسية، فما على الفرد المواطن إلا أن ينضبط لاختيارات جماعته ويشتغل من داخلها، ومن شروط هذا الاشتغال أن يعود إلى البحث عن فاعل حزبي مناسب لـ2021.

الحزب، الذي سيقود المرحلة السياسية التي ستعقب 2021، يفترض فيه أن يكون في مرجعيته وطروحاته متساوقا مع محيطنا الدولي، أن يكون هوياتيا وطنيا محافظا منخرطا بدوره في العصر، إن عودة أممنا المجاورة في شمالنا أساسا إلى تاريخها الوطني في تقديم أجوبتها الحزبية على واقعها اليوم، تستدعي منا، أيضا، تقديم جواب مماثل من داخل رصيدها الوطني.

ثم إن خطاب الكفاءة صار يخترق العالم، وقد سمعنا ترديداته في مظاهرات شعوب خذلها «ثوار الربيع العربي»، وفي نفس الوقت ما تزال هذه الكفاءات التقنية تثير هواجس ومخاوف ديمقراطية، إن التحدي هو إفراز حزب سياسي يزاوج بين الكفاءة والتقنوقراطية.

حزب 2021 يجب أن تكون فيه مواصفات الحزب السياسي والمعين التقنوقراطي، ليس على شاكلة المقاولات السياسية التي يتجمع حولها رجال الأعمال، إنما حزب لديه عراقة سياسية وحرفية كذلك، وطاقاته التقنوقراطية هي من إنتاج مدرسته الخاصة، ولا يحتاج لإسقاطها عليه بالمظلات.

ومن الواضح أن الاحتقان السياسي منذ 2011 أدى إلى هدر الزمن التنموي والفرص الديمقراطية، وتسبب في تصدع الأغلبيات البرلمانية وعدم استقرارها… والعنصر الجديد في 2021 يفترض فيه أن يحمل بروفايل الابتعاد عن التوترات، ومن النوعية التي تحترمها باقي الأحزاب ولا أحد يضع خطا أحمر في وجه التحالف معه.

وحتى إن كان هذا الحزب قد ارتكب حماقات سياسية وديمقراطية في مرحلة قريبة، أو تورط في تدبير عمومي سيئ قبل ذلك بكثير، فقد يشفع له قيامه بنقد ذاتي أدبي ومؤسساتي، انتهى معه إلى أن يقدم نفسه للمغاربة في صيغة جديدة منفتحة على التفاعل والتطور والتطوير.

هذا الحزب سيكون في تقديري حلا وسطا يستجيب لضرورة التغيير والحاجة الحيوية إليه من داخل ما هو موجود وليس من خارجه، وسيكون أيضا تسوية خلاقة لتنافس شرس وغير مجدي بين القادمين من عوالم الدين والنازحين من عوالم المقاولات أو بقايا ترتيبات قديمة. وهو لن يكون غير متنفس جديد، ونفس جديد، لأنه سيكون من التعسف اعتباره جوابا كاملا ومقنعا. لكنه الممكن المتاح فقط.