ثقافة وفن

الطوزي: الهوية الوطنية وهي تتجه نحو المستقبل تحارب الهويات الهامشية

طه بلحاج الثلاثاء 30 يونيو 2020
TOZY
TOZY

AHDATH.INFO- عبد العالي دمياني

نظمت مؤسسة محمد عابد الجابري بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل «طبيب العقل العربي» ندوة رقمية تحت عنوان «الهوية والمواطنة» شارك فيها ثلة من المفكرين والباحثين فيما يلي مداخلة محمد الطوزي.

اعتبر محمد الطوزي في محاضرته أن إرث المفكر الراحل محمد عابد الجابري في مجال الهوية هو إرث كبير، خصوصا على المستوى المنهجي، حيث أقر أنه علمه من خلال كتاباته فن تفكيك المفاهيم والتأريخ لها، مشيرا إلى أن الدرس المنهجي الأول للجابري هو إعمال العقل، أما اختياره لأيقونة ابن رشد فلم يكن إلا مجازيا للتنصيص على هذا البعد العقلاني في مواجهة الموروث وتفكيكه.

وأكد الطوزي أنه يشمئز إلى حد ما من الحديث عن الهوية بصيغة المفرد، إذ الأمر يتعلق بهويات مما يجعلها تكون حاضرة على مستوى التفكر، أما الاقتصار على صفتها بالمفرد فيعني أن خلفها فاعل، وهو بالضرورة فاعل إيديولوجي.

وقال إن الهوية على مستوى البحث تحتاج إلى مجموعة تؤمن رابطا مشتركا ويكون لديها إحساس بأن هذا الرابط هو ما يجمعها، وضرب مثلا بالهوية القبلية التي تعني إنتاج خطاب يجمع أعضاء مؤسسة القبيلة من خلال الجد الأول أو تاريخ الجماعة...

وأضاف الطوزي أنه لتكون هناك هوية للبحث لابد من وجود آخر هو الذي يعطيها بعدا إجرائيا ويؤسس لخصوصية المجموعة سواء كانت عشيرة أو مجموعة أو مجتمعا.

واعتبر الباحث في العلوم السياسية والأنثروبولوجيا أن مفهوم الهوية صعب التناول إلا من خلال تجارب تاريخية أو عبر ملاحظات ومعاينات إثنوغرافية وإلا تحول خطاب الهوية إلى خطاب إيديولوجي.

وأضاف أن الخطاب الإيديولوجي قد يؤسس لهوية واحدة قد تكون مهيمنة أو الوحيدة في إطار معين كما هو الحال للدولة الوطنية.

وأبرز الطوزي أن الحديث عن العلاقة بين الهوية والمواطنة يفرض الحديث عن ثلاثة مسائل. واستعان في تصوير الطابع الإشكالي للهوية برسم بياني لهذه الهويات يشخصها على شكل دوائر متداخلة، أكبرها يشمل أصغرها، وهي دوائر تتقاطع فيما بينها لتنتج هويات مصغرة داخل الهويات الكبرى.

وأوضح المتحدث أنه عندما تتم معاينة الهويات من خلال الفاعلين فسيظهر، في غياب إيديولوجيا جامعة وفوقية تختزل باقي الهويات في هوية واحدة، أن الأفراد ينتقلون من إنتاج هوية إلى أخرى حسب الظروف في الحياة اليومية، وهنا ضرب الطوزي مثلا بنفسه في السبعينيات في مراوحته بين البيت حيث يعيش بهوية رفقة والديه، وبأخرى مختلفة في الحي رفقة أقرانه، ثم بهوية ثالثة مغايرة في الجامعة بصحبة زملائه، وفي كل مجال ينتج هوية مختلفة بل أحيانا متناقضة من حيث المرجعية مع أحد المجالين الآخرين، وخلص من خلال هذا المثال إلى التنصيص على أن الهوية اللصيقة بمجموعة ما هي في العمق موسومة بالتعدد.

واعتبر الطوزي أن الهوية كما تحدث عنها محمد سبيلا، أي بوصفها دينامية وليست سكونية، هي هوية مبنية ومنتوج وليست موروثا، وهو ما يفسر الصراع الحضاري اليوم بين هذين النمطين.

وأضاف أن خمود البعد العشائري داخل المجموعات الإنسانية ككل جعل الهوية تتخذ طابعا ديناميا تتفاعل فيه عدة مستويات، والفاعل في هذا التفاعل هو الفرد بوصفه فاعلا ومنتجا وكيانا له عقل ومسؤولية واختيارات، الأمر الذي يجعل الفردانية تتخذ طابع مؤسسة تقوم عليها الحضارة الراهنة.

وبناء على هذا التصور أكد الطوزي أنه من الصعب اليوم القول أن الشباب المغربي ككل له هوية واحدة يمكن اختزالها في الهوية المغربية، وضرب مثلا بشباب (إلترات) نادي الوداد البيضاوي، الذي ينقسم إلى مستويين، مستوى أدنى يتعلق بمشجعي الفريق، الذين لهم تعابيرهم الخاصة، ومستوى ثان يشمل نفس المجموعة لكنهم يعبدون عن انتمائهم إلى نادي «ريال مدريد» أو «إف سي برشلونة» مثلا.

وقال الطوزي إن بزوغ الفرد بهذا الشكل، خصوصا مع الثورة الرقمية التي كرست دوره كفاعل في هذه الاختيارات جعلت دور الفاعل الإيديولوجي يتقلص ويخفت.

وأضاف المتحدث أن الهوية بالمفرد بدأت في نهاية القرن التاسع عشر وعرفت أوجها مع الوطنية بوصفها إيديولوجيا جامعة تختزل وتحارب الهويات الهامشية وتنتج هوية مؤسسة (بكسر السين) تصبح هوية مؤسسة (بفتح السين) وتجد بوتقتها داخل الدولة الوطنية.

وأكد الطوزي أن تصادم الهويات داخل المجال المغربي متعدد، حيث يقف وراء ذلك الفاعلون الإيديولوجيون، أي منتجو الإيديولوجيا وليس ناس عاديين، وضرب مثالا بآخر هذه التصادمات الناتجة عن إطلاق اسم كسيلة وما خلفه من مواجهة بين التيار السلفي أو الإسلام السياسي المنتج لهوية دينية والتيار القومي المنتج لهوية ثقافية والتيار الأمازيغي المنتج لهوية عرقية.

وذكر الطوزي أن إنتاج الهوية بوصفها مرجعا موحدا لا يجد نفسه إلا إطار الدولة الوطنية، والنازع إلى إنتاج المواطنة باعتبارها مفهوما جامعا ومتوجها إلى المستقبل ومنتجا، لا لماض مشترك ولكن لغد مشترك. وقال المتحدث إن هناك تجربتين تاريخيتين في هذا الإطار يوجد المغرب بينهما إذ لم يجد بعد مكانته.

فهناك التوجه الصارم المنبني على إنتاج هوية موحدة داخل دولة موحدة إما بإعادة إنتاج هويات هامشية وإدماجها في سرد موحد، وهي عملية تتم من خلال كتابة التاريخ أو من خلال إنتاجات فكرية ذات طابع إيديولوجي وليس تاريخاني وهو توجه يبني لخطاب موحد يمحو خطابات هويات هامشية تشوش على هذا الخطاب الموحد، وقال إن هذا التوجه يفضي إلى هوية موحدة ومواطن موحد ولغة موحدة ومصير موحد ومشروع موحد...

وتحدث الطوزي عن توجه ثان برز في سياق الأزمات التي صارت تعاني منها الدولة الوطنية، وهو قائم على أن الهوية تنتج عشيرة وليس وطنا انطلاقا من نوعية العلاقات والأفق الموحد ونوعية قراءات التاريخ، وقد اعتبرها الطوزي عشيرة العشائر، وهذا التوجه يتم داخل دولة وطنية تدبر تعدد الهويات واختلافها وتصادمها من خلال مشروع مستقبلي مشترك يعطي مواصفات تجمع هذه العشائر، وهي مواصفات ليست عرقية ودينية ولغوية بالأساس، ولكنها ترتبط بالقيم والتمثلات والمهارات التي أنتجت تاريخيا للتحكم في البيئة المحيطة، والتفاعل مع هذه البيئة.

وتوقف محمد الطوزي عند النموذج المغربي في تدبيره للتعدد الغني للهويات، مبرزا أن القيم التي أنتجت من خلال التفاعل المادي أولا والفكري والمعنوي ثانيا مع هذا المحيط، تفرز على الأقل أربع قيم ومهارات وتمنح المغرب سبقا في التعامل مع عالم المستقبل الذي يعرف تغيرا بعد جائحة كورونا، وهي قيم وتمثلات تدعمها مسائل أخلاقية ودينية، وهذه القيم هي la rusticité، والقيمة الثانية هي la robustesse، والقيمة الثالثة هي l’agilité، والقيمة الرابعة هي résilience. (التأقلم) وهي أربع قيم تسود بكثرة على مستوى المغرب العميق وتنتج مهارات فيزيولوجية وتقنية في طريقة العيش وقيما أخرى من قبيل المردودية والإنتاجية والاكتفاء والسعادة، وتشكل هذه القيم مساهمة المغرب الجبلي والريفي والصحراوي في إنتاج هوية كونية يمكن أن تؤسس لعلاقة جديدة مع هذا العالم المتحول.