آراء وأعمدة

طارق جبريل يكتب: مفاتن الحجر

طه بلحاج الأربعاء 24 يونيو 2020
tarik jibreel
tarik jibreel

AHDATH.INFO- طارق جبريل

لغة الكمامات هي السائدة، الكل تحوم عيناه خلف الكمامة تبرقان كفصين نزعا من خاتم ألماس.
بدأت القطارات تستعيد عافية الحركة، وبدأ مرتادوها يكتشفون بعضهم البعض بعد ما يقارب الثلاثة أشهر من العزلة، بعد أن أوصل كورونا الخوف إلى منابع الأفئدة ومزق حصون الطمأنينة، لم تعد العربات متيبسة قاحلة رغم تناقص الأوكسجين.

توزعت الشحوم بين البطن والأرداف والنتوءات داخل (علب) الجينز، الكثير من الأعين جعلت من الأجساد مهبطا لها، منتهكة ذلك الخجل الأنثوي الذي يلجأ إلى الأرض متفحصا صمتها، ثقب المفاتن يجرد الفراغ من مهمته القاسية ويجعل مباهج الحياة تتسع.

لم نعد نمضغ ذواتنا متناثرين في عربات القطار تتحجر الكلمات على أفواهنا خلف الكمامات بعد أن صدأت الألسن غارقين في استحلاب ذكريات قديمة، يمكنك أن تلحظ احتشاد الأسئلة من حركة العيون في محاجرها، إنه صمت 90 يوما، الكل يفتقد الحديث والونيس الذي يختبئ تحت الأهداب في زمن «حجاب» الشفتين والأنف وتكاثر الفيروس في مخازن الأوكسجين.

كعادة التباين الذي يجمل الحياة عكس ما يظن المتعجلون، شاب مسترسل الشعر يستمع إلى موسيقى غربية ويحرك رأسه معها متناسيا هموم هذا الكون وآلامه، تقابله سيدة تتحرك داخل قطعة قماش سوداء فضفاضة تستمع إلى سورة «النور»: «لله نور السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»، كل يهيم في عالمه دون أن ينغص على الآخر يومه.

امرأة تحاول ما استطاعت أن يستخدم طفلها الكمامة بالطريقة الصحيحة وهو يمطرها بالأسئلة عن جدته وجده وإن كانا لا يزالان يحتفظان بطائر الكنار في مشربية منزلهما، أسعدت أسئلته المسترسلة من كانوا يجاورونه، داعبه البعض حتى صار مرمى لصدأ الصمت، ومنحه البعض قطعا من الشوكلاتة بعد أن عقموها، الطفولة تستنهض ملامح المحبة حتى وسط المجرمين.
شابة تناغي أحدهم خلف «الواتساب» فأخذها نهر الحب الدافق وهي تنظر إلى أفق السهول المتعبة من ضنين دموع السماء.
وصلنا محطة الدار البيضاء الميناء.. وفاض الناس بين الأزقة..
صباح الخير أيها العالم..

إنا لله.. ملح الأرض يجعل العيش في هذا الكوكب ممكنا.. بل يصبغه بطعم الحياة.