آراء وأعمدة

قضية الرميد.. الكلفة السياسية والقانونية

طه بلحاج الاثنين 22 يونيو 2020
MUSTAPHA_RAMID
MUSTAPHA_RAMID

AHDATH.INFO

استقالة الكثير من الوزراء في دول الغرب الديموقراطي لا تكون عادة مفاجئة لأنها في الغالب ترتبط بـ«فضائح» أو قضايا عامة أو أخطاء، لكن غالبا ما أثارت مبررات هذه الاستقالات الدهشة نظرا لكونها أحيانا أخطاء «بسيطة»، لكنها في الواقع مرتبطة بالالتزام الأخلاقي والمهني والسياسي للوزير، مثلا فبسبب صورة منشورة في صفحة للحزب الذي تنتمي إليه استقالت وزيرة الخارجية السويدية سابقا ليلى فريفالدز، ورغم أنها أوضحت أنها لم تكن على علم بالصورة ثم اتضح أنها ناقشت الأمر بعد ذلك مع أحد المقربين منها، لم تجد بدا من الاستقالة. وبسبب اتهامه بالكذب قدم الوزير الأسبق للمساعدات الخارجية الدنماركي، كريستيان فريس باتش، استقالته بعد اتهامه بالكذب على البرلمان والرأي العام في البلاد بشأن دوره في تغطية مصاريف سفر كبيرة لمنظمة بيئية يوجد مقرها في كوريا الجنوبية. الأمثلة كثيرة، والاستقالة في حد ذاتها هي اعتراف بالخطأ.

عندما سئل الوزير السابق للتشغيل محمد يتيم ذات جلسة برلمانية قال: «عدم تسجيل المستخدمين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو إخلال بالالتزام الوطني وخرق للقانون».

كلام يتيم ينطبق اليوم على أخيه في حزب العدالة والتنمية وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، المصطفى الرميد. لا أحد يجادل في نزاهة الرجل والتزامه الأخلاقي، لكن الزلة الأخيرة يعاقب عليها القانون، ولها آثار سياسية وأخلاقية.

البداية كانت من مواقع التواصل الاجتماعي، إذ بعد وفاة الكاتبة الخاصة للرميد ومديرة مكتبه للمحاماة، راج على نطاق واسع في الواتساب تسجيل صوتي يؤكد أن المستخدمة غير مسجلة في صندوق الضمان الاجتماعي وطوال فترة عملها التي امتدت لعشرين سنة لم تستفد هذه المستخدمة من الحقوق التي يخولها لها التسجيل في الصندوق.

انتظر الجميع نفي الخبر لا سيما أن الوزير المعني هو مكلف بحقوق الإنسان ولا يمكنه أن يرتكب مثل هذه الزلة ومشهور بالتزامه ومعروف بدفاعه المستميث على الحقوق (!)

الرميد اعتصم بالصمت ولم ينبس ببنت شفة، الذين خرجوا للدفاع عنه هم الذين ظلوا يعزفون باستمرار على إيقاع نظرية المؤامرة فكانت أسلحتهم هي القول إن الوزير مستهدف بسبب تصريحاته وخرجاته، لكنها أقوال لم تكن تنفي الواقع.

أحد المحامين بمكتب الرميد قال دفاعا عن الوزير إن الموظفة هي التي رفضت تسجيل نفسها في صندوق الضمان الاجتماعي (!) وقال إن الرميد أدى لها مستحقاتها كاملة وتكفل بمصاريف علاجها، وليثبت أن الوزير ميال لفعل الخير شرع في تعداد الأشخاص الذين يستفيدون من إحسانه وفضح التلاميذ الذين يتابعون دراستهم على حسابه، جزاه الله كل خير، وإن كان المأمول هو أن لا تعلم اليسرى ما تصدقت به اليمنى، عملا بالحديث النبوي الشريف الذي يتكلم عمن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».

خطة الدفاع الأولى لم تكن متقنة وشوشت أكثر على صمت وزير الدولة لكن عشية إعلان حزب العدالة والتنمية عن تحريك لجنته المركزية للنزاهة والشفافية، أشهر المدافعون من جديد وثيقة تم تصحيح إمضائها على عجل يوم عطلة بجماعة يترأسها عضو في البيجيدي.

والد الكاتبة برأ الوزير الرميد من خلال قوله بأنه «لا يتحمل أي مسؤولية في عدم تسجيل نفسها بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، مؤكدا «باسمي وباسم أسرتي نشكره على العناية التي كان يرعى بها ابنتنا قبل مرضها وخلاله، وإننا نرفض رفضا قاطعا كل الاتهامات الموجهة إليه بهذا الخصوص وندينها ونتبرأ منها». وذلك بعد أن قدم روايته للواقعة عندما أشار إلى أن الرميد كلف ابنته قيد حياتها بتسجيل نفسها بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع استعداده لأداء غرامات التأخير في التصريح. لكنها رفضت تسجيلها في صندوق الضمان الاجتماعي، و«رفضت تمكين مكتب الرميد من صورها وبطاقتها الوطنية الأمر الذي جعله يدفع لها في أواخر السنة الماضية مبلغا قدره 23 مليون الذي وضعته في حسابها البنكي قبل مرضها».

الوثيقة لم تنف الواقعة أكثر مما أكدتها على لسان والد الكاتبة المتوفاة، والظاهر أن الوثيقة جاءت لتعزز أقوال الرميد خلال الاستماع إليه من طرف لجنة الحزب وهو استماع شكلي ما لم يبحث في الآثار القانونية المترتبة عن عدم تسجيل الكاتبة في صندوق الضمان الاجتماعي، وعن آثاره الأخلاقية والسياسية.

انتهاك القانون يعاقب عليه القانون وما على صندوق الضمان الاجتماعي سوى المبادرة لاسترجاع حقوقه، لكن إذا كان المعني وزيرا فإن ذلك تترتب عنه أيضا كلفة سياسية تبدأ بالحرج الذي يسببه الوزير للحكومة التي ينتمي إليها أولا ولحزبه ثانيا. ورفع هذا الحرج معلوم، على الأقل في الدول التي سبقتنا إلى الديموقراطية.