آراء وأعمدة

طلحة جبريل يكتب: أرهقتنا ليالي الأرق

طه بلحاج الاثنين 22 يونيو 2020
TALHA_GIBRIEL_MUSA
TALHA_GIBRIEL_MUSA

AHDATH.INFO

طرحت تداعيات الوباء مجدداً فكرة كانت متداولة قبل عقود. مؤداها أن  تكون هناك عدة عواصم في كل بلد، تفادياً لتركيز الخدمات الأساسية، وخاصة الصحة والتعليم في مدينة واحدة، حتى لو كانت هي العاصمة .

مرد إعادة طرح هذه الفكرة من إفرازات الوباء، حيث اتضح أن معظم الإصابات كانت في العواصم، باستثناء الصين إذ دخلت مدينة "ووهان" التاريخ لكن من أسوأ أبوابه. إضافة إلى أن أفضل الخدمات الطبية توجد في العواصم، باستثناء أمريكا حيث تتوزع المستشفيات والمراكز الصحية على عدد من المدن في مختلف الولايات.

تتكرر في بعض الأحيان الأفكار نفسها، عندما يعجز العقل البشري على الإبتكار، أو اعتقاداً من أصحابها أنها لم تصل. تماماً كما يفعل النجار إذ عليه ان يضرب رأس المسمار ضربات متكررة حتى ينغرز .

المؤكد أن العواصم خاصة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، أصبحت مكتظة ملء طاقتها بالناس سواء كانوا من سكانها أو من زائريها بحثاً عن ما لم يجدوه في مدنهم وقراهم، خاصة أولئك الذين يبحثون عن عمل. جاؤوا من  البوادي  وفي بعض الأحيان من اللامكان، يبحثون عن الخدمات.

بعض الناس ربما يحنون إلى بعض العواصم  وفي الذاكرة أمسياتها المبهجة،  لكن الزمان لا يستعاد لأنه حركة لا تتوقف، عكس المكان الذي هو ثابت. إذا كان الزمان طيباً في يوم من الايام، فذلك لأن المكان لم يكن مزدحماً كما هو شأنه الآن .

القضية هو كيف تصبح مدينة أخرى عاصمة للبلاد، أو على الأقل كيف يمكن تفكيك العواصم الحالية ليستقيم الوضع. خلق عواصم له متطلباته ويحتاج الى إمكانيات مالية ضخمة، وهو أمر شبه مستحيل بعد انحسار الوباء، على الرغم من أنه ليس صعباً ولدينا تجارب إفريقية. مثلاً نيجريا وتجربة أبوجا بدلاً من لاغوس، و"كوت ديفوار" وتجربة ياموسوكرو  بدلا من أبيدجان.

نشطت الهجرة من البادية نحو المدن خلال مواسم الجفاف خاصة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بسبب تدني أو ندرة الخدمات. أضحت العواصم تعاني في كل القارة الإفريقية من ظاهرة تحولها إلى قرى كبيرة .

ظاهرة الهجرة القسرية من البادية خلقت تشوهات مجتمعية بسبب الاكتظاظ في المدارات الحضرية. إذا كانت المدن تمثل نقطة الجذب بالنسبة لسكان القرى، فإن بعض سكان المدن يفضلون بدورهم البادية، في عطلاتهم القصيرة هروباً من ضجيج المدن ووتيرة حياتها الضاغطة. لكن الحالة الأولى تتعلق باستقرار، أما الحالة الثانية فهي زيارات عابرة، لربط علاقات مع أمكنة مفتوحة، ومنذ الآن يتحدث كثيرون عن البادية عندما ينتهي زمن "الإغلاق".

ربما يأملون في نوم عميق تحت ظل شجرة، مع أحلام لذيذة.

حقيقة أرهقتنا ليالي الأرق.