مجتمع

كورونا.. حكايات إنسانية داخل وحدة العزل

طه بلحاج الأربعاء 03 يونيو 2020
OUAR0843
OUAR0843

AHDATH.INFO

سميرة فرزاز- تصوير محمد وراق

على مدار الساعة، تسود حالة من التعبئة لاستقبال حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.. حريصون على أدق التفاصيل لمساعدة المصابين على الشفاء، يفرحون لشفائهم ويودعونهم بالدموع عند خروجهم من المستشفى في اتجاه بيوتهم، لكن ومع ذلك تشعر الأطر التمريضية على وجه الخصوص، لأنها الأكثر احتكاكا بالمرضى، بضغوط نفسية أكبر بسبب شروط العزل الصارمة، وضرورة ارتداء الزي الواقي من الفيروس لفترات طويلة تمتد من ثلاث إلى خمس ساعات في اليوم، حيث يقيد هذا اللباس الخاص حركتهم بشكل غير طبيعي، ولهم مع هذا «الزي الكوروني» حكايات.

يعيشون معركة يومية مع وباء كوفيد 19، يحتلون فيها الصفوف الأمامية رغم الصعوبات والمخاطر التي تحيط بهم، يضحون بالغالي والنفيس لمحاربة الفيروس، بعيدا عن أسرهم وأبنائهم الذين حرموا من رعايتهم خلال هذه الفترة العصيبة، هذا هو حال الأطقم الطبية والصحية بمستشفى القرب سيدي مومن بالدارالبيضاء، وبجميع المستشفيات المغربية.

الشابان يتابعان علاجهما منذ ستة أيام، وحالتهما في تحسن مستمر، حسب الأطباء المعالجين، إلا أنهما يتوقان للعودة لحياتهما التي تعودا عليها، فالمرض حتى وإن كان بدون أعراض أو معاناة فهو يسمى مرضا يعرقل الحياة، لهذا فهما يناشدان جميع المغاربة أن يلتزما بشروط الوقاية من تباعد اجتماعي وعند التصافح ووضع الكمامة وغسل اليدين باستمرار والخروج إلا للضرورة.

رائحة المطهر النفاذة في كل مكان على الجدران وعلى البلاط، ورغم ذلك فإن احتمال الإصابة قائم إذا لم يرتد من يدخل إلى الوحدة لمباشرة عمله اللباس الواقي.

استمر أحمد في عمله وهو يحرص بشكل كبير على عدم الاحتكاك بالمرضى بشكل مباشر، حتى يتحقق صفر عدوى، وهذه غاية كل من يباشر عمله بوحدات العزل.

يقول أحمد: «في البداية أصبت برعب كبير، كنت خائفا من العدوى، لكن عرفت أن لي دورا مهما، وهو تقديم الطعام للمصابين، والتغذية الجيدة تساعدهم على تحسن حالتهم واستجابتهم للعلاج». ويصف شعوره قائلا: «أشعر بسعادة بالغة عندما يصل إلى مسامعي أن أحد المصابين شفي، خصوصا بعدما تكون ألفة أشعر بها تجاه كل واحد منهم، وهم كذلك يشعرون بنفس الإحساس، ومازلت لحد الآن أتواصل مع العديد من المرضى الذين من عليهم الله بالشفاء، وهم الآن يعيشون حياتهم بشكل طبيعي بعد أن تخلصت أنسجتهم من الفيروس».

أحمد هو واحد من المشرفين على تقديم الطعام للمرضى، لكننا بالكاد نراهم وزملاءهم في النظافة، لا أحد ينتبه إليهم، على الرغم من أنه لا تخلو أي مستشفى من هذه الفئة، ولا عين تخطئهم. المستشفى نظيفة في ذلك الصباح فطاقم التنظيف يقوم بتنظيف كل زاوية فيها على مدار الساعة.   
«نحن اليوم نواجه عدوا جديدا قد يصيبنا على غفلة منا»، يقول يوسف، عامل النظافة، بحذر، في إشارة إلى جائحة فيروس كورونا المستجد.

سيماهم على وجوههم!

جميع الممرضين الذي كانوا يباشرون عملهم في ذلك اليوم يعانون مع كدمات وبقع حمراء على الوجنتين والطرف العلوي من الجبهة والأنف، والسبب هو الآثار التي يخلفها ارتداؤهم للزي الواقي لساعات متواصلة، وبالرغم من تلك الكدمات والإرهاق الذي يشعرون به، عبروا عن فخرهم بوجودهم في الصفوف الأولى لمحاربة كوفيد 19، بل تعهدوا بمواصلة القتال.

تقول ابتسام، وهي ممرضة بمستشفى القرب بسيدي مومن: «أنا متعبة جسديا بسبب العمل المتواصل ورداء الحماية، فعند ارتدائي لزي العزل، لن يعود بإمكاني التوجه إلى الحمام أو شرب الماء لمدة قد تتجاوز الخمس ساعات».

وتتابع معبرة عن هواجسها: «أخشى دائما أن لا يلتصق القناع على وجهي بشكل جيد، أو ربما قمت بلمس أنفي عن طريق الخطأ بقفازات ملوثة أو ربما لم تغط النظارات عيني تماما»، وهو ما يسبب لي مخاوف نفسية خلال عملي اليومي.. وهي على هذه الحال قرابة ثلاثة أشهر، أي منذ الإعلان عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد في الثاني من شهر مارس الماضي.

تشعر ابتسام بالتعب الجسدي والنفسي على السواء، على غرار زملائها، لكن هذا لا يمنعها والآخرين، كما تقول، من القيام بواجبهم الوطني. هم فخورون بعملهم، خصوصا عندما يرون الفرحة في وجوه مرضاهم عندما يعلنون إليهم شفاءهم من الفيروس، وبالتالي خروجهم من المستشفى في اتجاه بيوتهم.

الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال يستعد ثلاثة ممرضين إلى ارتداء «الزي الكوروني» استعدادا لإجراء «سكانير» لمصابين بكوفيد 19. الغرفة التي تضم بين أرجائها هذا الجهاز تقع على بعد عشرات من الأمتار على وحدة العزل، وبالتالي بدأ التجهيز لهذه العملية بإغلاق جميع النوافذ والأبواب، حيث يحرص المشرف على الملف بحفظ الصحة داخل المستشفى أن لا يتواجد أي إطار صحي أو طبي في الممرات، والهدف دائما هو تحقيق صفر عدوى، فالفيروس يمكن أن يوجد في الهواء وعلى الأسطح بمجرد أن يعطس المصاب أو يكح وهو يمر من تلك الممرات.

يشرح ياسر، المكلف بحفظ الصحة داخل مستشفى سيدي مومن، تفاصيل هذه العملية بقوله: «بعد استفادة المصابين من الكشف بـ«سكانير» تبدأ عملية تعقيم الممرات والجدران والأسطح بالمطهرات والمعقمات الخاصة، عملية يومية تكاد تكون متعبة بالنسبة للمشرف على حفظ الصحة، لكن ضرورية من أجل سلامة العاملين داخل المستشفى».

في «زمن كورونا» تضحي هذه الفئة براحتها وسعادتها من أجل أن ينعم غيرها بهاته القيم الحياتية والصحة المثالية. وفي زمن كورونا وبعده يرفع لهم الجميع القبعة، في إشارة شكر لكل ممرض وممرضة، خاصة في ظل هذا الوباء الذي تأكدت فيه أهمية هذا الفريق الذي يعتبر الداعم للعملية الصحية والطبية في بلدنا.