السياسة

عندما يقرأ الحلوطي ما كتب له: شكرا أهل المصباح!!

عن "الأحداث المغربية" الخميس 12 ديسمبر 2019
الحلوطي
الحلوطي

AHDATH.INFO

الذين استمعوا لرئيس فريق العدالة والتنمية، الحلوطي، يوم الثلاثاء الأخير، وهو يتحدث مباشرة على التلفزيون من مجلس المستشارين، لم يكونوا قادرين على تصديق آذانهم، ولم يكونوا متأكدين أن الذي يتحدث ينتمي للحزب، الذي قاد الحكومة في المغرب منذ ثماني سنوات الآن.

الرجل بدا كمن هب من مرقده واكتشف كل شيء فجأة، ولم يكن لا هو ولا الفريق الذي يرأسه في البرلمان على دراية بما يقع في البلاد للعباد إلا يوم الثلاثاء الماضي.

اكتشف الحلوطي، ومعه فريق العدالة والتنمية في القبة الثانية أحداث الحسيمة وقرروا الحديث عنها وفيها. نسوا أن وزيرا من حزبهم يسمى مصطفى الرميد كان يشغل إبان أحداث الحسيمة منصب وزير العدل والحريات، ونسوا أنهم كانوا في الحكومة أصلا، ربما لأن كاتب ما قرأه الحلوطي يوم الثلاثاء الماضي لم يدخل الحكومة أبدا، ولن يدخلها لذلك وضع كل غيظه في الورقة المتلوة ومضى...

نسي الحلوطي أو من كتب للحلوطي ما قرأ، كل جرحى رجال الأمن في أحداث الحسيمة، وهم جرحى بعدد كبير، ونسي كل التخريب الذي وقع، وهو تخريب كبير، ونسي المواجهات بالحجارة التي تمت، ونسي عديد الأشياء التي كانت تجري أمام أعين المغاربة كلهم، وفي مقدمتهم الحزب الذي يقود الحكومة، أي العدالة والتنمية نفسها، بل نسي الحلوطي أو من كتب للحلوطي ما قرأه أن محاولة لإحراق مقر سكنى رجال الأمن تمت أمام مرأى الكل، وتذكر فقط أن يزايد من باب الفراغ على الجميع، ونسي صوت الانفصال الذي يأتي من الخارج ويوفر عصب الحرب للمنادين بتمزيقنا، والذي أصبتت التطورات الأخيرة أنه موجود بالفعل وأنه يضمر لنا كل الشرور.

أبدى الحلوطي، أو من كتب للحلوطي ما قرأه، جبنا سياسيا يفوق المتوقع، وأعطى للناس الدليل مجددا على أن الدول لا يمكنها أن تعتمد على الجبناء، وأنها أصلا غير محتاجة لهم لأنهم لن يدافعوا عنها وقت الشدة ووقت الضيق. بل سيهربون.

سيدافعون عن مصلحتهم الحزبية. سيقولون ما يبدو لهم قادرا على المزيد من الإغراق في المزايدات، سيبحثون عن أطواق النجاة لأنفسهم، وسينسون أنهم كانوا في المناصب يزدردون. تلك هي سنة الله في الحياة السياسية منذ ابتدأت وحتى تنقرض. وما قرأه الحلوطي، يوم الثلاثاء الماضي، لم يزد المغاربة إلا إيمانا بهاته السنة، واقتناعا بأن بعض الأحزاب وإن رفعت شعار اليمين أو اليسار أو الإسلام السياسي أو كل التمويهات في نهاية المطاف، لا تستطيع إلا أن تجري وراء مصلحتها هي دون أن تضع في اعتبارها الأكبر والأهم أي مصلحة البلد.

كان كلام الحلوطي، يوم الثلاثاء، سيأخذ شرعية أكبر لو قرأه من كتبه فعلا، أو لو قرأه مثلا عضو الفريق عبد العالي حامي الدين لأن من استمع إليه رأى فيه بيانا لمنتدى الكرامة الذي يرأسه هذا الأخير وليس مقالا من فريق قاد التجربة الحكومية في البلد منذ ثماني سنوات.

وكان كلام الحلوطي يوم الثلاثاء سيأخذ شرعية أكبر لو تدخل الحزب الذي يقود الحكومة لكي يقود الحوار الاجتماعي مع مطالب الحسيمة ولكي ينزل إلى الناس التي احتشدت في الشوارع لمدة سبعة أشهر ولكي يلبي طلباتهم، لا أن يختفي الحزب كل هاته المدة وفجأة يكتشف أنه من الممكن أن تضغط عبر البرلمان وعبر شاشة التلفزيون لكي تقول للمغاربة بصيغ أخرى «لن نسلمكم أخانا» ولكي تشكك في استقلالية القضاء، ولكي تدافع عن الترخيص لجمعيات غير قانونية، ولكي تستل الشعرة من العجين، وتقول للناس: أنا بريء من كل ما كانوا يفعلون، أو بعبارة أخرى لكي توجه الرسالة لكل من يهمه الأمر أنه يمكنني في أي لحظة من اللحظات التنصل من كل الشيء والقول «ماشي أنا، هوما، هوما وصافي».

نعتقده جبنا سياسيا أصليا عبر عنه الحلوطي أو من كتب للحلوطي ما قرأ ذلك الثلاثاء، ونعتبره تعبيرا عن توجه معين داخل هذا الحزب لازال يعتقد أنه من الممكن تصفية الحسابات بهاته الطريقة، ونعتبره كشفا لقناع لطالما وضع بعناية ووضعت عليه كثير المساحيق لكي تمر الخدعة، لكنها يوم الثلاثاء الماضي كشفت عن نفسها بنفسها وأكدت مرة أخرى ما يؤمن به الناس منذ قديم القديم: الدول لا يمكنها أن تعتمد على الجبناء لكي يخوضوا معها المعارك. الدول تعتمد فقط على الصادقين من الشجعان الذين يعرفون معنى أداء الثمن، ومعنى عدم أكل الغلة وسب الملة في الوقت ذاته..

الكثيرون قالوها بشكل واضح ذلك الثلاثاء: شكرا أهل المصباح أن كشفتم لنا مجددا الحقيقة بهذا الشكل المباشر والصريح. شكرا أنكم تحاولون إيهام الجميع أنه من الممكن أن تستفيقوا من رقدتكم ذات يوم لكي تعيدوا اكتشاف الزمن المغربي حسبما ترونه ملائما لأهوائكم، وحسبما تعتقدونه قابلا لمزيد من الضغط من أجل مزيد من الازدراد..