الكتاب

FRIENDS : الأصدقاء وغسل اليدين !

بقلم: المختار لغزيوي الثلاثاء 15 أكتوبر 2019
friends-1568977438
friends-1568977438

AHDATH.INFO

صديقنا قيس سعيد فاز بالانتخابات الرئاسية في تونس الشقيقة عن جدارة واستحقاق. بالنسبة لكل من يحبون اللغة العربية والرطن بها في الخطب بذلك الشكل الأكاديمي الرصين الأمر مفرح للغاية. وبالنسبة لمن اعتبروا هذا الأستاذ الجامعي القادم تقريبا من العدم السياسي حلما لابد من تحققه وتحقيقه الأمر جد مبهج. وبالنسبة لمن راهنوا على هزم نبيل القروي، إن بوضعه أولا في السجن ثم السماح له ثانيا بالخروج أياما قليلة قبل الدور الثاني لكي يظهر بذلك الشكل المهلهل في المناظرة الأولى من نوعها التي تجمع مرشحين للرئاسيات في تونس الأمر جد سعيد.

باختصار الأمر حسن بالنسبة للجميع، وحتى بالنسبة لنبيل القروي، الذي كان يرى نفسه خاسرا منذ الدور الأول، ولم يكن يعتقد أن التونسيين سيمنحونه أصواتهم وهو في السجن.

تونس اليوم تحاول تدارك ما فاتها منذ أن صرخت «الجزيرة» في وجهها وفي وجه العالم العربي كله «بنعلي هرب». يومها اعتقد الناس أن الديمقراطية والحرية وبقية الشعارات دقت علينا جميعا من الباب الكبير، وأنها ستدخل وستجلس معنا في قاعة استقبال كبار الضيوف، بل إنها ستقرر السكنى معنا إلى آخر الأيام...

لكن سيولا من نوع آخر جرت تحت الجسور العربية المهترئة، و قدمت لنا من بين ماقدمته كل الكوارث التي اعترت عالمنا العربي منذ ربيعه الكاذب ذلك. بسبب تلك السيول تعرفنا من ضمن من تعرفنا عليهم على أصدقاء جدد في مقدمتهم، أو لنقل أبرزهم أصدقاؤنا «الدواعش» الذين قدموا لنا بطاقة زيارتهم بطريقة أقل ما يقال عنها إنها بعيدة بعض الشيء عن اللياقة، وهم يقتلون في كل مكان وضعوا فيه راياتهم السود كل من يعثرون عليه إن ذبحا أو حرقا أو بالانفجارات.

وعلى ذكر «أصدقائنا» الدواعش، هنيئا لصديقنا الآخر رجب الطيب أردوغان بما يقوم به في الحدود التركية/السورية. البعض يقول إنه يعتدي على بلد لم يعد قادرا على حماية نفسه، وأنه يقصف مدنيين وأبرياء، وأنه يصفي الحساب العالق مع الانفصاليين الأكراد، الذين ظل يعتبرهم دوما وأبدا أسوأ من الدواعش بكثير. لكن البعض الآخر، وخصوصا أصدقاء صديقنا رجب الطيب يقولون إن الرجل يؤمن حدود بلاده وكفى، وأنه يصنع ممرا آمنا يقيه شر الإرهابيين الأشرار، وأنه يحق له ما لا يحق لغيره في هذا الهنا وفي هذا الآن الذي نحن فيه والسلام...

صديق آخر لنا تميز نهاية الأسبوع الفارط هو صديقنا مزوار. هذه أول مرة نسمع وزارة الخارجية تصف وزيرا سابقا لها بأن تصريحه أرعن وغير مسؤول وأخرق مما تبارت وسائل التواصل الاجتماعي في الاحتفاء به منذ صدور البلاغ.

وحتى بعض أصدقائنا الذين قرروا الدفاع عن صديقنا مزوار والقول إنه حر في أن يقول ما يشاء، طالما أنه لا يشغل أي منصب رسمي وجدوا المعارضة الشرسة المباشرة والقمع الفوري من أصدقائنا الآخرين الذين لم يحملوا «الفعفاع» في قلوبهم أبدا، والذين ظلوا ينتظرون له على أحر من الجمر زلة مثل هاته لكي يذكرونا من خلالها بصديقنا الآخر (الغائب/الغائب، وليس الغائب/الحاضر) حميد شباط يوم قرر ضم موريتانيا دون استئذان أهلها، ولوح بأن يسير جيشا كبيرا أوله في فاس وآخره في نواديبو لأجل استعادة الأرض والانتقام للعرض...

طبعا غاب صديقنا حميد منذ تلك اللحظة، وبقيت الشقيقة موريتانيا في مكانها تجتهد لكي تزداد علاقتها مع المغرب تعاونا مثلما يجتهد المغرب لكي تكون علاقته بأهلنا من الموريتان مثالية إلى أبعد الحدود.

بعد ذلك غاب صديقنا حميد، وصديقنا إلياس قدم استقالته، وصديقنا عبد الإله أوقف لايفاته، وصديقنا عزيز لوح من بلاد الجرمان لصديقنا سعد الدين أنه لوحده رفقة المنتمين معه للحمامة (باستثناء صديقنا صلاح الدين مؤقتا) الكفاءات الموجودة في الحكومة...

وعلى ذكر أصدقائنا من الكفاءات سواء في الحكومة أو تلك «المنشورة» في مواقع التواصل الاجتماعي تنتظر دورها، وتعتقد أنه يحق لها أن تحلم بالوزارة وبالمناصب الكبرى طالما أنها تعتبر بأن كل التعيينات الأخيرة لم تشف غليلها ولم تملأ عينها ولم تقنعها بأي جدية، فإن الأمر مباح ومشروع، لأن الإنسان يحيا بالطموح ويموت بانعدامه، ومن حق كل الأصدقاء في كل مكان أن يتصوروا أنهم يمتلكون حلولا ما لهذا البلد الصديق لكي يخرجوه من حالة الضيق التي يمر منها.

في انتظار ذلك كنا نتمنى أن نكتب هاته المادة يوم 30 يوليوز، أي تزامنا مع اليوم العالمي للصداقة، لكننا نكتبها اليوم 15 أكتوبر وهو اليوم العالمي لغسل اليدين، ولا بأس هنا أن ننصح أنفسنا والآخرين بأهمية غسل اليدين على كثير الأشياء، وفي مقدمتها الصداقة التي أصبحت في زمن الناس هذا مجرد شعار عابر لكل القارات، مع التذكير أنها لم توجد يوما في مجال السياسة، الذي علمتنا أبجدياتها المبتذلة أنه لا يعترف إلا بالمصالح الدائمة، أما الصداقات والعداوات، فأمر موضوع رهن إشارة الآخرين في المجالات الأخرى، يفعلون به ما يشاؤون.