ثقافة وفن

الحريات الفردية: المعركة الأهم (الريسوني وأشياء أخرى)

افتتاحية "الأحداث المغربية"- الخميس 5 شتنبر 2019 الخميس 05 سبتمبر 2019
E4D71690-D802-4347-B4BC-5B985DEF6A1B
E4D71690-D802-4347-B4BC-5B985DEF6A1B

AHDATH.INFO

عندما يقول المؤمن بالحريات الفردية إناحترامها هو الحل نطلق عليه النباح من كلجانب. نصفه بالديوث، والمنحل، والمتهتك، واللاغيرة له الذي يجب أن نقتله، والراغب في هدم معبد أخلاق هاته الأمة الفاضلة على رؤوس العباد

عندما « يتورط » الإسلامي أو الأصولي أو المنتمي للتيار الآخر أو المحسوب على القبيلة في ممارسة حريته الفردية يتذكر من نبحوا أهمية هذا الأمر، ويشرعون فجأة في اكتشاف بديهيات الحياة الأولى..

تجدهم يقولون : « نعم من حق الراشد أنيفعل مايحلو له بجسده » تماما مثلما قالهالهم ذات مرة ذلك الذي وصفوه بكل أنواعالنباح.

تجدهم أيضا يكتشفون مصطلحات قديمة كانت دائما في القواميس، لكنهم تجاهلوها طوال الوقت: الرضائية، الحق في ممارسة الحياة، الفرديات مقدسة أيها السادة، لا تجريم لمشاعر الحب، الحب ليس جريمة، لادخل لنا فيما يقع بين إنسانين راشدين، أو حتى بين مجموعة من الراشدين. ثم تجدهم أيضا يكتشفون الكلمة /المفتاح  التي قد تحل لهم كل الإشكالات: الحرية.

الحرية فقط بكل اختصار. الحرية تلك التي لم يجرؤوا يوما على اعتناقها بشكل كامل

هم أكبر مردد للعبارات الكبرى، تلك التي لاتمسهم شخصيا، والتي لاتكلفهم شيئا غير إعطاء الدروس للآخرين في كل مناحي الحياة، من السياسة إلى الاقتصاد مرورا بالثقافة ولغة التعليم وأنواع الرقص الشعبي، ومصطلحات الأغاني وبقية الترهات. يبرعون فقط في الحديث عن  تلك الأشياء التي تطلب من الآخرين فقط أن يتغيروا وتسمح لمطلقيها في الهواء الطلق ألا يقوموا بأي مجهود شخصي يذكر..

يتحدثون كثيرا، بل ربما أكثر من الحد المسموح به واللائق لكنهم حين التطبيق يعجزون عن تحريك أصغر عضو في أجسادهم المسجونة. فقط عندما تصل النيران أسفل جلابيبهم، يشرعون في تحريك الرؤوس بتلك الطريقة المثيرة للشفقة. يستلون من دواخل نفاقهم المزمن عبارات البحث عن التبريرات، ويصبحون فجأة مثلنا: أناسا عاديين، آدميين يخطئون ويصيبون، يخرجون من صفوف الملائكة ومن دور المعصومين من الخطأ الذي يمثلونه على الناس، ويقولون بشبه همس خافت وحيي: نحن أيضا بشر مثلكم نخطئ ونصيب.

نحن نعرف هاته البديهية منذ قديم الزمن. نحن نعيش هاته البديهية، ونقولها لهم صباحا ومساء و « من القلب إلى القلب »أي منذ قديم الزمان: لدينا غرائز طبيعية خلقها فينا رب العزة، وصرف لها طرق تنفيس كثيرة تغيرت حسب الأزمنة والأمكنة، ومن الغباء الذي لاغباء بعده أن نظل راغبين في مقاومتها بشكل بليد وفق العقلية القديمة.

هناك تطور عادي للأشياء يفرض نفسه أول جزء فيه أن نتفق جميعا على أن تجريم العلاقات الرضائية هو شيء غير عاقل كثيرا.

حتى وإن قالت لكم أصوات النفاق: لا، قولوا إن المنطق السليم والعقل السليم، والتطور العادي للأشياء يفرض هذا الأمر وكفى.

ماذا وإلا سنقدم جميعا ثمنا باهظا للإبقاء على هاته الرغبة المجنونة في تقييد حرية الفرد.

هذا المجتمع الخائف من حرية أفراده لن يتحرر جماعيا أبدا. سيظل يراقب أطرافه السفلى بكل تلصصية وهو يتمنى سقوط كل مخالفيه، وفي الوقت ذاته يخشى أن يسقط ذات يوم في عكس مايردده علنا.

الكل يعرف أن مايقوله علنا هو مخصص للاستهلاك العلني، فقط، وأن مايقع في السر مخالف تماما. لكن هذا المجتمع يريد لهذا النفاق أن يبقى داخله، وهو غير مستعد لخلخلة يقينياته الزائفة والنظر بكل حرية إلى انعكاسه في المرآة، دونما رتوشات خادعة، دونما لباس زائف، ودونما أي رغبة في التحايل أو النصب أو الاحتيال..

الذين يعتقدون أن هاته المعركة ليست الأهم يتلقون اليوم، وتلقوا بالأمس وسيتلقون غدا دلائل عديدة على العكس.

سيقولون لأنفسهم إن الوقت ربما قد حان للتخلص من رائحة قروننا الوسطى والانتقال بعقلنا الجماعي وبطبيعتنا الجماعية  إلى وقت الناس هذا.

ربما آن الأوان لكي نطبق الدين فعلا ولكي ندع الخلق للخالق، ولكي نلتفت لإصلاح ذواتنا كل في موضعه، عوض أن نمثل على بعضنا البعض دور من يريد إصلاح ذوات الآخرين، وهو يعيش التناقض كله.

ربما، من يدري؟ نحن من جهتنا لم نفقد يوما الأمل في أن يتخلص الناس في هذا الهنا وهذا الآن من التناقض المعيب الذي يسقطهم كل مرة في مثل هاته المحزنات….