ثقافة وفن

رشيد لبكر: هذه دلالات دعوة الملك الى وضع نموذج تنموي جديد

أحداث أنفو الأربعاء 31 يوليو 2019
SM-le-Roi-adresse-un-Discours-à-la-Nation-à-loccasion-de-la-Fête-du-Trône-M
SM-le-Roi-adresse-un-Discours-à-la-Nation-à-loccasion-de-la-Fête-du-Trône-M

AHDATH.INFO

في المقال التالي يحلل الاستاذ الجامعي رشيد لبكر مضامين الخطاب الملكي:

في هذا الخطاب، أعاد جلالة الملك التأكيد على ضرورة الانكباب على وضع نمودج تنموي عام وشامل، غايته تحقيق الإقلاع المراد للبلاد على مختلف المستويات، القطاعية والترابية، لأن مشروعا تنمويا وفق هذا المنظور هو الذي بإمكانه  بورة الرؤية الواضحة، المتكاملة والشمولية لكل مجموع التراب الوطني.

رؤية تأخذ بعين الاعتبار الإمكانات  المتوفرة في كل جزء ترابي وكذا خصوصياته المحلية فضلا عن معيقاته واحتياجاته وتطلعات ساكنته.

 لذا أرى أن خطاب العرش الأخير فيه تجديد لنفس التوجه  الذي سبق لجلالته أن أكد عليه منذ أن دعا، ولأول مرة، إلى ضرورة مراجعة المشروع التنموي المعتمد بالبلاد، وهو توجه يعكس إرادة البحث عن منهجية عمل مغايرة، سواء على مستوى بلورة التصور،  أو على مستويات تحديد الاختيارات الدولتية وضبط المرجعيات، ترتيب الأولويات، وضع الخطط ووسائل التمويل، ضبط الأجرأة، مراقبة التنفيذ ثم تقييم الحصيلة.

وكما سبق أن قلت في مناسبات أخرى، إن مشكل المشروع التنموي ببلادنا، هو معاناته الدائمة من ضبابية الرؤية وغياب الالتقائية بين تدخلات مختلف الأطراف ؛ لذلك، أنا أفهم من  خطاب جلالة  الملك، أن النقاش حول الطريقة أو المنهجية  التي ينبغي الاعتماد عليها في صياغة هذا النموذج و تحديد مضامينه وترتيب أولوياته، هي التي ينبغي أن تحظى بالأولوية الآن ، حتى قبل النموذج التنموي ذاته.

لذلك جاءت دعوته إلى تأسيس لجنة خاصة مهمتها إنجاز مشروع لهذا النموذج، تأسيسا على النجاح الذي عرفته أشغال لجن وطنية أخرى، ومما لا شك فيه أن بروفايلات عناصرها ستنحدر من تخصصات علمية وقطاعية متعددة، وأيضا من انتماءات  جغرافية وترابية مختلفة ومتنوعة، كي تعكس في تركيبتها التنوع الذي تعرفه البلاد، وتجعله عاملا مساعدا على تثمين التنوع وترجمته إيجابيا في صياغة محتويات المشروع، كي يتحول  من خلاف  إقصائي إلى اختلاف تعددي، يؤمن بالاندماج والتكامل، ويمقت الإقصاء التهميش.

لذلك فمن المفروض على اللجنة، أن تبتهل منهجية عمل، تشاركية وأفقية ، تنطلق من المحلي أولا، ولا سيما من الجهات، باعتبارها المدخل الأساسي لتحريك عجلة الجهوية ببلادنا التي مازال سيرها متعثرا مع كامل الأسف، وأن لا يكون اشتغالها أحادي الرؤية ثانيا، بحيث لا يتم التركيز فيه على تثمين فائض القيمة المادي فقط، الاقتصادي والطبيعي والجغرافي..

بل لا بد أن تهتم أيضا بالمؤشرات  اللامادية عبر كل تجلياتها، اللغوية والإثنية والتراثية والثقافية وغيره،  وأن يكون هاجسها عند صياغة المشروع، تحقيق عدالة مجالية حسب إمكانات كل جهة، فعالم اليوم لم يعد يعترف بالمقاربات القطاعية الضيقة، وبالتالي فإن التغاضي عن الحساسيات المحلية، أضحت مسألة خطرة وحاسمة بل ومهددة لأي مشروع تنموي...

وعليه، فأنا أومن بأن نموذجا تنمويا، تشاركي ومتكامل ، لا بد أن يرتبط بحل الإشكالية الجهوية التي مازالت لم تأخذ مسارها الصحيح، عن طريق التخلص من عقدة المركز والتحرر من فزاعة الجهة التي يحاول البعض تصويرها ب " أنها حمالة خطر"  تهدد وحدة الدولة، فهذا مجرد وهم.

أما ما يهدد كيان الدولة  فعليا، هو توالي النكبات الاجتماعية وتفاقم اختلالا المحيط، مع غياب المخاطب المحلي المناسب، الذي بإمكانه التدخل في الوقت المناسب دون انتظار صفارة الحكم من العاصمة. لو قمنا بتفعيل الجهة كما يجب، وتركنا لنخبها أهلية اختيار  وبلورة النموذج التنموي المحلي  المناسب في كل جهة، حسب إمكاناتها وطاقاتها، ووفق رؤية يتماهي فيها النموذج  التنموي الجهوي مع نظيره الوطني العام الذي جدد صاحب الجلالة الدعوة إليه في هذا الخطاب ، فمن المؤكد، أننا سنفتح الباب أمام الجهات للتباري في الرفع من مؤشرات التنمية، ساعتها ستصبح كل جهة هي المسؤولة عن الاختلال أو العطب الذي يطال مجالها الترابي، وستنقشع السحابة عن الذين يفعلون والذين هم لا يفعلون.