ثقافة وفن

الجماعة والطلبة والامتحانات..أشياء لابد من قولها

بقلم: المختار لغزيوي السبت 15 يونيو 2019
93218435-11FF-4C74-B469-6C69B82B2574
93218435-11FF-4C74-B469-6C69B82B2574

AHDATH.INFO

 

يمكننا اليوم أن نعود إلى الماضي، وأن نفتح كتاب الذكريات، وأن نشرع في تأنيب البعض ولوم البعض الثاني وعتاب البعض الثالث على تلك الموجة من التساهل التي عمت كليات المغرب وجامعاته ذات تسعينيات، من أجل تسهيل المأمورية على « العدل والإحسان »، لكي تلقي القبض على مختلف المواقع الجامعية، ولكي تعلن دولة القومة أو الخلافة على منهاج النبوة في الحرم الجامعي قسرا وعبر السيوف والاعتداءات والغزوات المنظمة بعناية والمحروسة بعين لا تنام

يمكننا أن نقلب المواجع على بعضنا البعض وأن نطرح السؤال: من كان يهمه في تلك السنوات التي تبدو بعيدة الآن أن يمحو تماما أثر الفكر العقلاني اليساري العلماني التنويري من الجامعة، وأن يؤذن في الناس بفكر وعلم جديد يقوم على  إدخال الخرافات إلى الجامعات وحشو أذهان الطلبة بكتب الفقه المتطرفة القادمة من الحجاز والتي يريد هذا الحجاز بنفسه اليوم التخلص منها ومن آثارها المدمرة؟

يمكننا أن نفعل ذلك، ولن  يلومنا أحد. لن يلومنا لا من عاشوا التجربة وبقوا على قيد الحياة، ولا حتى من رحلوا خلالها أو لكي نكون دقيقين أكثرمن قتلوا حينها على يد جماعة « العدل والإحسان »، وأبرزهم الشهيد بنعيسى آيت الجيد الذي لازال دمه معلقا بين قبائل تقول « إنه شهيدنا ويجب أن نثأر له »، وبين قبيلة تصرخ في وجوههم بكل وقاحة وهي تدافع عن المتهم بقتله « لن نسلمكم أخانا ».

لن يلومنا أحد إذا مافعلنا ذلك، وللأمانة سيكون سهلا أن نقوم بذلك وأن نمضي. لكن الإشكال لن يحل، والقضية لن تجد طريقها لأي نهاية..أصعب منها أن نعود إلى الحاضر وأن نحل إشكاله المطروح علينا اليوم.

واليوم الحكاية تبدأ بالكاد…والخميس الفارط عندما كان مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة يتهم مباشرة وبالإسم جماعة العدل والإحسان أنها وراء تحريض طلبة كليات الطب على مواصلة التصعيد وعدم الاستماع للحكومة ولا الالتفات ليد الحوار الممتدة من عديد الجوانب لأجل إنقاذ السنة البيضاء، كان العديدون مجبرين بشكل أو بآخر على تذكر الأيام الخوالي، يوم لم تكن هناك تنسيقيات بل كانت هناك التعاضديات لمن يتذكر الجامعات في ذلك الحين، وكان الهدف المعلن والمضمر والمتفق عليه بين كل المتواطئين هو قتل « أوطم » أو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والمرور إلى ما هو أسهل.

ذلك « الأسهل » لم يتحقق أبدا. الجماعة التي أصبحت بعد كل سنوات العنف والقتل التي مارستها في الجامعات تقول إنها مؤمنة بالسلمية وغير مقتنعة بالسرية، وأنها تنوي فقط تربية الأجيال المسلمة بكل هدوء وأنها تمد يدها لكل الفضلاء الديمقراطيين لكي يبنوا معها المجتمع الفاضل الذي تسعى إليه وهي تترحم على مرشدها الذي صنع لها فكرة أو وهم التجمع عبد السلام ياسين، (هاته الجماعة) لم تعد قائمة…

اليوم الجماعة الموجودة على الأرض تطالب بحقها في أن تحول منازل أعضائها إلى أماكن اجتماعات كبرى سرية، وفي حال قال القانون الذي يسير البلد « لا »، صرخت بالتشميع والظلم وسايرها الحربائيون في التباي على مالانعفره من مصالح ومسارات…

اليوم الجماعة التي كانت تقول إنها تريد الهدوء في لمغرب وتعرف معنى الأمن والأمان، تسطو على  كل الحركات الاحتجاجية، من أكثرها عدلا وشرعية إلى أكثرها إبداعا في اللامعقول لكي تقول لمن يريد سماعها « أنا سأصب زيتي على أي جمرة نار اشتعلت في أي مكان، لأنني فهمت أن هذه هي الطريقة الوحيدة لكي أنال نصيبي من القسمة ».

الجماعة التي كانت تقول بأنها تريد التربية فقط، تريد اليوم بالعربية الواضحة، ومنذ هبت رياح ذلك الربيع المضحك على العقول الخريفية أن تكون لها الغلبة وأن يكون الأمر لمن يقودونها والسلام…

لن نذهب إلى الأشياء عبر آلاف الطرق. سنختار - كعادتنا ومنذ القديم، بل منذ البدء - الطريق الأقصر أي المستقيم، وسنترك لهواة البحث عن المسالك الوعرة أن يتوغلوا في التسلق والنزول إلى أن يصلوا مبتغاهم، وسنقول : إن لعبة الجماعة الآن بالطلبة لعبة خطيرة للغاية، وستكون لها تبعات أخطر على مستقبل هؤلاء الطلبة أولا، على ماسيتعلمونه في سنوات الاحتفقان هاته قبل التخرج ثانيا، وعلى الوافدين بعدهم إلى الكليات والمعاهد العليا والجامعات ثالثا.

الجماعة اقتنعت أن تحركا احتجاجيا في هذه المدينة، أو جنازة لميت في هاته القرية، أو وقفة قطاعية في هذا المكان لن تلبي لها الطلب. عوضها اختارت هاته المرة أن تراهن على الدخول إلى بيوت الأسر المغربية، وأن تمسك الصغار المتعلمين رهينة، وأن تحرضهم على عدم القبول بأي شيء إلى أن يكون…اللاشيء.

من سيربح ومن سيخسر في اللعبة كلها في الختام؟

الوزير الذي يسير الوزارة حاليا لن يدوم في منصبه، هذا أمر أكيد، وسيرحل عن الوزارة مثلما رحل عديدون قبله. الجماعة لن تغير نهجها المبني على الانتظار إلى أن يقضي رب العزة أمرا كان مفعولا. ستشعل النار كلما وجدت طريقة لها وستنسحب مثلما انسحبت ذات ٢٠١١ حين ستقتنع بأن الثمرة لم تنضج بعد. وحدهم الطلبة سيخسرون هذا الرهان إن واصلوا التشبث بهذا التصعيد عوض الالتفات لما تمت الاستجابة إليه من مطالب، والابتعاد عن تسييس قضيتهم، وهي عادلة إلى حد بعيد في عديد النقط، والانتباه إلى أن من يرفع معك الشعار اليوم باسما قد يكون في دواخله مضمرا لك شرا كبيرا وأنت لاتستطيع في هاته اللحظة تبين ذلك الشر لأنه مغلف بعديد الأقنعة وأوجه التزييف…

لذلك لابأس من العودة قليلا إلى الماضي غير البعيد كثيرا. لا بأس من العودة إلى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات في جامعاتنا والكليات وتذكر الأحداث التي وقعت فيها، واستحضار وجوه من قتلوا ومن عذبوا ومن اختطفوا على يد الجماعة إياها وهي تصيح « لا للعنف، لا للسرية لا لموالاة الخارج »،وبعد ذلك يمكن العودة بكل هدوء إلىالحاضر وقراءة مختلف تطوراته القرادةالمغربية الأكثر قدرة على الرصانة والابتعادعنالنزق الذي لن يوصل أي طرف في هذا البلد إلى أي شيء…