مجتمع

#ملحوظات_لغزيوي: الشرطي والفكاهي: "المطايفة لايف" !

المختار لغزيوي الاثنين 20 مايو 2019
Capture d’écran 2019-05-20 à 12.51.04
Capture d’écran 2019-05-20 à 12.51.04

AHDATH.INFO

لا أعرف الظروف، التي صور فيها الفكاهي أمين الراضي الفيديو الذي يظهر فيه رجل أمن وهو يضربه. ولا أعرف كيف أوصل الراضي رجل الأمن إلى تلك الحالة من العصبية. ولا أجد أي مبرر لاستعمال العنف بين مواطنين متشابهين، فأحراك أن أجد عذرا لواحد من حملة السلاح أن يفقد أعصابه كيفما كانت الاستفزازات وأن يشرع في تعنيف مواطن.

بالمقابل أعرف أنك عندما تكون منخرطا في عراك حقيقي مع شخص ما، شرطيا كان أم غير ذلك، آخر شيء يشغل بالك هو أن تصور العراك  في "اللايف"، وأن تفهم وأنت في قلب المعمعة أنك عثرت على أداة" buzz" من النوع الساقط ستصنع بها العجب العجاب في "السوشال ميديا"، وستجلب لك نقرات عديدة و"لايكات" أكثر وستجعل من لم يكونوا على علم باسمك يتداولونه بقوة ليلة السبت/ الأحد

أحد المتابعين على صفحة موقع "ahdath.info"  على الفيسبوك وجد التعليق المناسب لحادث الراضي ورجل الأمن، عندما رأى الشاب الفكاهي يفطر مع والدته في المنزل بعد أن أنهى تصوير اللايف، إذ طرح عليه السؤال: "نتا كتفطر مع ميمتك ناشطين، وداك البوليسي وعائلتو يعلم بيهم سيدي ربي".

طبعا لا أبرر التعنيف، ولا الاعتداء، وأرفضه ولا أجد له أي مبررات، لكن بالمقابل أرفض هذا التطاول المعيب بوسائط تكنولوجية جديدة مثل الهواتف الذكية على أناس يقدمون حياتهم يوميا لأجل المواطن والمواطنين.

تعبر أنت في هذا المفترق الطرقي أو في هذا المكان الممتلئ بالسيارات، وتعبر عن غضبك وتمضي، ويبقى ذلك الشرطي في ذلك المكان اليوم بطوله، تحت حرارة الشمس وفي أجواء رمضان غير المساعدة على عمل، ويطلب منه الجميع أن يساعد على تنظيم حركة السير التي يتسبب غالبا في فوضاها السائقون أنفسهم. ويطلب منه الجميع أن يلقي القبض على كل اللصوص العابرين في المكان. ويطلب منه الجميع أن يتدخل لفض الاشتباكات المتعددة بين الصائمين "المقطوعين". وحين يفقد هذا الشرطي في لحظة من لحظات ضعفنا الإنساني المشتركة بيننا جميعا - دون أي استثناء - أعصابه وتند عنه بادرة من بوادر هذا الضعف الآدمي العادي، نشحذ سيوفنا جميعا ضده ونتكالب عليه ونرى فيه علامات "فرعنة وتجبر وطغيان" غير موجودين إلا في مخيلتنا الداخلية وفي لاشعورنا العميق عن هؤلاء الموظفين العموميين الفريدين من نوعهم .

لدي عدد كبير من الأصدقاء يشتغلون في هاته المهنة الشريفة، لكن الجاحدة وناكرة الجميل، وأعرف جزءا صغيرا من معاناتهم بالحكي والحديث الدائم من طرفهم عما يعيشونه، وأعرف - بحكم مهنتي - حجم مايقدمونه من خدمة لهذا البلد، وحجم التضحيات اليومية التي يبذلها أغلبهم دون أن تند عنهم بادرة تأفف أو شكوى، ودون أن يظهروا علامة تبرم واحدة، لذلك أجد آلاف الأعذار لرجل الأمن الذي ظهر في الفيديو، وأتصور أن شيئا ما أو عبارة ما أو تصرفا ما هو الذي أوصله إلى تلك الحالة..

في الوقت ذاته، لا أرى أي مبرر لاستعمال الهاتف النقال في عرك إذا كان هذا العراك حقيقيا. وأتذكر هنا حادثا شخصيا، كنت أحد أبطاله مع شخص في الشارع العام ارتكب خطأ كلفني أضرارا مادية جسيمة في سيارتي، وعندما بادرته بالسؤال بلطف أول الأمر عن سبب سرعته التي كلفتنا معا خسائر كبرى، أجابني بصلف ووقاحة كبيرين  "عيط للاسورانس وماتصدعنيش"، قبل أن ينبس بعبارات نابية بعد ذلك وهو يدخل سيارته باستعلاء غير مبرر.

للأمانة، "ماصدعتوش"، ولكنني بالمقابل - وكأي صحراوي أصيل- استعملت كل ماتعلمته في المدينة القديمة بمكناس، حيث ولدت وتربيت، لكي ألقنه بعضا من دروس التربية التي اقتنعت بسبب وقاحته أنها تنقصه.

حظي العاثر قادني تلك الليلة للعراك مع شخص من هذا النوع: النوع الذي يصور كل مايقع له في حياته، لأنه كان يتوفر على كاميرا في سيارته. وعندما كنا في اليوم الموالي أمام رجال الأمن، كنت الوحيد الظالم بسبب الفيديو إذ ظهرت وأنا أعنفه لفظيا بطريقة مبالغ فيها كل من رآها عابها علي، دون أن يعرف سبب وصولي إلى تلك الحالة

بعدها "تصالحنا" أنا وذلك الشخص صاحب الكاميرا المسجلة، وذهب كل واحد منا لحال سبيله، لكنني بقيت على سؤال لايفارق ذهني: كيف يجد هؤلاء الوقت لكي يفصلوا بين لحظات الغضب الإنسانية التي نعرف أنها تلازم أي آدمي عادي، وبين لحظات التفكير في تصوير مايقع لهم لكي يعرضوه فيما بعد على السادة المتابعيين وال"followers" وبقية المتلصصين؟

بقي السؤال لدي دون جواب، وتقريبا نسيته أو تناسيته إلى أن تذكرته السبت الماضي، وأنا أرى الفكاهي الراضي يتعارك مع شرطي في الشارع ويتهمه أنه ضربه دون أن ينسي في أي لحظة من اللحظات أن يصور مايقع له وهو يقول للحاضرين قربه في الشارع : "راني en live آلخوت، راني en live".

حكاية "اللايفات" هاته أصبحت أهم للعديدين من "حياة اللايف" الحقيقية، وهذه لوحدها من اللازم أن تستفز قليلا من تفكيرنا، وأن تدفعنا لطرح السؤال دوما وأبدا: هل سنعيش في الواقع أم في الافتراضي المعرض دوما وأبدا للتوضيب والمونتاج ولبقية المؤثرات؟؟؟