ثقافة وفن

نيوزيلاندا تتحدى ضيقنا: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

AHDATH.INFO الاحد 24 مارس 2019
Symbols of the Three Monotheistic Religions
Symbols of the Three Monotheistic Religions

كلمة الأحداث

مافعلته نيوزيلاندا الجمعة كان أمرا رائعا،كان حضاريا حد الحضارة،وكان إنسانيا حد الإنسانية وكان أبلغ من كل شيء..

هذا البلد الوديع، الذي يعيش سكانه بعيدا عن توترات العوالم الأخرى، في قارة تضمهم رفقة أستراليا فقط، انتبه الجمعة الأخرى إلى توحش يوجد بين ظهرانيه يسمى العنصرية ويسمى كراهية الآخر بسبب دينه، ويسمى الوحشية، عبر عن نفسه من خلال إقدام مجرم إرهابي عل قتل مايفوق الخمسين مؤمنا وهم يؤدون صلاة الجمعة في بيت من بيوت الله آمنين، مطمئنين، خاشعين مرتاحين ألا مكروه سيصيبهم لأنهم قصدوا بيت الله، ولأن من يقصد بيت الله لا يمكنه أن يخاف.

أبى ذلك المجرم الإرهابي أن يتركهم في دعتهم هاته والطمأنينة، ودخل بعديد رشاشات لكي يطلق عليهم النار، ولكي يريديهم قتلى، ولكي يصورهم عبر الفيسبوك المتواطئ في الجريمة عبر « اللايف » مفتخرا بجريمته الشنعاء ومعتقدا أنه يفعل شيئا يستحق كل هذا العناء..

ردت نيوزيلاندا على المجرم بطريقة ولا أروع. فهمت أن من يخاف الآخر لا يمكنه أن يكون منها، فرفعت الأذان عاليا أمس الجمعة أن « الله أكبر ». ارتدت نساء البلاد الحجاب الإسلامي أو الحجاب الذي ترتديه المسلمات أو سترة الرأس التي تضعها المنتميات لهذا الدين على شعرهن، وقالت نيوزيلاندا من خلال هذا التصرف الحضاري الرائع إنها لاترى فرقا بين أديان، وأن هذا الاختلاف في نهاية المطاف لايغير شيئا من طبيعة الإنسان الأولى : كائنا ينتمي إلى الإنسانية قبل أن ينتمي إلى بقية مايفرق هاته الإنسانية عن بعضها البعض

علينا منذ هاته اللحظة أن نحفظ هذا الدرس وهذا المعروف جيدا للنيوزيلنديين، فقد لقنونا درسا لا يمكن أن ننساه.

علينا في اللاحق من اللحظات الكئيبة، وهي قادمة لأن الجهل مستشر ولأن القتل قادر على الوصول إلى الجميع باسم الدين أو باسم أي شيء آخر، أن نستعد للرد الحضاري المقبل، أن نفهم أن الحكاية ليست الفرح لمقتل يهودي أو مسيحي أو بوذي، ثم الحزن لمقتل مسلم

الحكاية مختصرها الأول ومختصرها النهائي ومختصرها الذي يقف في المنتصف الحزن لمقتل إنسان دون ذنب جناه، اللهم الاختلاف عنك.

لذلك شعر أكثرنا إنسانية بالحزن أيام مقتل المدنيين في كل مكان. كانت القولة منا هي التالية: لا يحق لك أن تقتل مدنيا يختلف عنك، وأنت تعتبر أنك تنصر ما تؤمن به، وإلا فإنك تشبه عنصري نيوزيلاندا الذي قتل الخمسين شخصا بل تتفوق عليه في الكراهية والابتعاد عن الآدمية 

اليوم عالمنا منقسم إلى قسمين: قسم يؤمن بالإنسانية والحضارة ويعتبر أن الاختلاف لايسوغ لك قتل من يختلفون عنك.

وقسم لا يؤمن إلا بالتوحش وشرائع الإرهاب والقتل ويعتبر أن الحل يكمن في إطلاق النار على كل مغاير لك أو نحره أو تفجيره أو استعداء العوام عليه وتكفيره والانتهاء منه والسلام

نفخر أن نقولها اليوم مثلما قلناها بالأمس ومثلما سنقولها غدا بكل ووضح: انتماؤنا هو لهاته الرحابة الإنسانية التي لا تقيس الناس بدينهم أو لونهم أو جنسهم أو بلدانهم

اننماؤنا الأساس للناس في كل مكان، لا نرى فرقا بين هذا وذاك إلا بمقدار مايقدمه للإنسانية من فائدة، ومن خدمات حقيقة تغير واقع الناس  إلى الأفضل.

القابعون في جهلهم والتخلف لا يعنوننا. والآخرون الذين علقوا في جاهليتهم يتصورون الحل الأفضل للكون اليوم هو أن يعيش حروبا لا تتنتهي نعتبرهم من سقط المتاع، من الأدران التي علقت بنا، من أوساخ التخلف والابتعاد عن العلم والقراءة، من ضرائب هذا الجهل المقيت المحيط بنا، ومن مكوس هذا الضعف المستوطن كل المسام يعتقد التعصب والانغلاق والانكفاء على الذات حلا لكل مشاكلنا ويكتفي

غدا أو بعد غدا عندما يقتل عنصري إرهابي منا مدنيين مسيحيين علينا نحن أيضا أن نضع الصلبان وأن نسمع صوت تراتيل الكنيسة في بلداننا مثلما فعلت نيوزيلاندا، وهي تطلق الأذان في كل مكان

غدا أو بعد غد، عندما يقتل عنصري إرهابي منا يهوديا علينا أن ندخل الكنيس وأن نقرأ قليلا من التوراة مع مواطنينا اليهود وأن نقلد النيوزيلنديين فيما فعلوه بالتحديد.

غدا أو بعد غد علينا أن نعيد للنيوزيلانديين معروفهم الذي أسدوه لنا، وهم يقولون لنا بألا مشكل لديهم مع الإسلام ولا مشكل لديهم مع المسلمين لكن مشكلتهم كل المشكلة هي مع العنصرية ومع الإرهاب ومع كراهية الآخر ومع بقية الموبقات

الدور علينا الآن لكي نقوم بالمثل، لكي نقول نفس الكلام، إذا كنا قادرين حقا على القيام بالمثل وعلى قول نفس الكلام