رياضة

#ملحوظات_لغزيوي: من مدريد إلى الرباط…!!

المختار لغزيوي الجمعة 01 مارس 2019
Capture d’écran 2019-03-01 à 11.24.17
Capture d’écran 2019-03-01 à 11.24.17

AHDATH.INFO

مقارنة فرضت نفسها على الجميع الأربعاء الماضي: قمة في الرباط بين الجيش والرجاء، وقمة في مدريد بين الريال والبارصا.

فريقا المغرب الكرويين كانا يتنافسان من أجل مؤجل من مؤجلات هاته البطولة "برو"، التي لا نعرف لها رأسا ولا رجلين، ولا نعرف متى ابتدأت ولا متى ستنتهي ولا نعرف لها ملاعب بالتحديد ولا قوانين ولا أي شيء على الإطلاق. وفريقا إسبانيا الكرويين كانا يتنافسان من أجل مقعد في نهائي كأس الملك: الريال لأجل انتقام تجري وراءه جيوش الميرينغي من سنوات عديدة ولا يريد أن يتحقق، والبارصا من أجل ذهاب سادس على التوالي إلى "الفينال دي لاكوبا".

جماهير الفرق الأربعة كانت هي الأخرى عرضة للمقارنة الظالمة ذلك الأربعاء. في الرباط غير بعيد عن حديقة الحيوانات الشهيرة بتمارة، كانت قوات الأمن المغربية بمختلف تلاوينها تحاول التعامل بأكبر قدر من ضبط النفس مع من يخلطون بين الملاعب وبين السجون وساحات الإجرام. وفي السانتياغو بيرنابيو معقل الكرة والجمال كانت "الغوارديا سيفيل" و"لابوليسيا" منشغلة عن الجماهير بمتابعة ميسي وراموس والبقية، وهم يبدعون في رقعة الملعب طالما أن الشغب لم يعد مطروحا هناك منذ مدة طويلة، وطالما أن الكل يعرف أين سيجلس ومتى سيدخل إلى الملعب ومتى سيغادره، وأي وسيلة نقل سيستقلها ومتى سيصل إلى منزله لأجل النوم والاستعداد لليوم الموالي من العمل..

في الرباط كان الملعب مليئا بما يسميه صديقنا عصام الشوالي (وهو واحد من كوارث التعليق الكروي العربية التي أوصلت ساحرتنا المستديرة إلى ماوصلت إليه في بلادن العربان)، مليئا ب"الشماريخ" و"الفيموجين" و"الكراكاج"، والدخان الكثير الذي يحجب الرؤية السليمة، والذي لم يعد وسيلة احتفال إلا في دول  معدودة على رؤوس الأصابع لا زالت تعيش أزمنتها القديمة، ولازالت تظن أن أي احتفالية لا يمكن أن تمر دون هذا الكم الكبير من الدخان..

في مدريد كتبت "لابينيا" وهي أكثر فصائل الفريق الملكي تعصبا عبارة "a ganar" في التيفو الأبيض الجميل الذي اعتلى مدرجاتها وانشغلت باللقاء ومشاهدته وتشجيع فريقها أمام خصمه الكاتالني العنيد.

في الرباط كانت الأجساد الفقيرة متكئة على الأرض، ممددة على مضمار ألعاب القوى مصفدة الأيدي بعد الشغب الكثير، تنتظر الإحالة على وكيل الملك للنظر فيما يمكن فعله فيها مع أن الذي يمكن فعله فيها غير مجدي إطلاقا طالما أن هاته الأجساد الفقيرة  ذات العقول الأفقر ستعود وتعود وتعود إلى ماتقترفه من عبث في الملاعب باسم الكرة والكرة من كل هذا الإجرام براء..

في مدريد انتهى اصطدام أكبر ناديين في العالم بانتصار الضيوف الكاتلان بثلاثية نظيفة وقاسية داخل معقل الرجال البيض، ورغم ذلك خرج الجمهور المدريدي الذي كان يبلغ تعداده مايفوق السبعين ألفا من الملعب دون أي ضوضاء. فهم أنصار الميرينغي أن البارصا أقوى منهم بكثير، وصفقوا لسواريز العضاض حتى وهو يسجل عليهم ضربة الجزاء بطريقة البانينكا المهينة، وطالبوا سولاري مدربهم وبقية اللاعبين بالتركيز على عصبة الأبطال الأوربية التي يعتبرونها تخصصهم وانتهى الأمر..

في الرباط وفي الطريق عبر "لوتوروت" إلى البيضاء وفي مواقع التواصل الاجتماعي المغربية التي تهتم بهذا الشأن /الفتنة المسمى كرة لدينا، كان السباب في المتناول، وكانت الشتائم متوفرة "بالهبل"، وكانت نوافذ السيارات تحت رحمة همجية لا معنى لها، وكانت عبارات التنكيل بالأعراض والأمهات والأخوات والبنات متبادلة بين ألترا عسكري وألترا غرين بويس والغرين إيكلز وبقية الترهات، وكان الشعب يسب الشعب باسم الشعب ويغني في الختام كالمسطول "فبلادي ظلموني"، علما ألا أحد يظلم أحدا غير نفس ذلك الأحد..

المقارنة لا يمكن أن تقف هنا وإلا ستكون أكثر ظلما من ظلم هؤلاء لنا جميعا. في التلفزيونات الإسبانية التي كانت تنقل اللقاء الكبير بين الريال والبارصا كنت تجد صعوبات الكون كلها في الانتقال من محطة إلى محطة طالما أن المتعة مضمونة "بالعرام" في كل القنوات. في القناة التي كانت تنقل لقاء الرباط بين العسكر وبين الخضر كان الجو مشابها لما يجري في الملعب، لما يجري في مستودعات اللاعبين، لما يجري في مقر الجامعة التي تشرف على هاته البطولة "برو"، لما يجري في المكاتب المسيرة لفرقنا الوطنية المنكوبة، لما يجري في عالم هاته الكرة المغربية المسكينة التي لا يريد حالها أن يستقيم أبدا طالما أن الذين يشرفون عليها هم أوائل غير المؤمنين بها، إذ ينتهزون أي فرصة صغيرة أو كبيرة، ويطلبون من الكاتبات أن يبتعن تذكرة للقاء المقبل في الليغا.

يهبون حتى المطار، يصعدون الطائرات، يصلون الجارة شبه الإيبيرية ، يهيئون أنفسهم في الفنادق، ثم يركضون بكل تحضر وآدمية وارتياح إلى الملاعب. يشاهدون هناك بعض الكرة الحقيقية، وبعض اللعب الحقيقي، وبعض الجمهور الحقيقي، وبعض التنظيم الحقيقي، وبعض اللاعبين الحقيقيين، وبعض المسيرين الحقيقيين.

يبتاعون من "الدوتي فري" في المطار بعض التذكارات لأجل الصغار والصديقات: ملابس وأقمصة للفرق الحقيقية التي شاهدوها تلعب، ويعودون إلى مطار الدار البيضاء أو الرباط وسلا، ويهبون قدما إلى مكاتبهم قليلة الإضاءة، والداكنة ويشرعون في الحديث عن الكرة المغربية بكل اطمئنان

شيء ما ليس على مايرام "آسميتك". شيء ما تسهل معاينته بالعين المجردة لمن كان ذا نظر سليم، أو لمن توفرت له في أعلى وجهه عينان لا أقل ولا أكثر...