فكر و دين

#ملحوظات_لغزيوي: معاداة السامية: الواقع !

المختار لغزيوي الثلاثاء 19 فبراير 2019
4676908749_111f429ee6
4676908749_111f429ee6

AHDATH.INFO

تنظم في مدن فرنسية عديدة اليوم الثلاثاء مسيرات مختلفة ضد معاداة السامية، بعد انتشار مظاهر كثيرة في الآونة الأخيرة لهذا الداء الذي يحمل في دواخله ندبا تاريخيا لم ينسه العالم بعد لفرط البشاعة التي حبل بها، ولفرط الوحشية التي سجلها على وجه هذا العالم أيام النازية مما يعرفه الجميع..

الدعوة للمسيرات المعارضة للهجوم على اليهود في فرنسا أتت من أحزاب سياسية ومن جمعيات متعددة، وتبدو هاته اللحظة أكثر من مجرد تنديد بشعارات نازية كتبت على متجر هنا، أو إدانة رسم عنصري على وجه رمز من رموز فرنسا هناك، أو عدم القبول بالاعتداء على فيلسوف يهودي في الشارع أو تحطيم نصب وضع تكريما لروح شاب يهودي قتله عنصريون من قبل، بل هي لحظة مفصلية تعلن فيها الجمهورية عدم استعدادها للسقوط في الأخطاء القاتلة التي صنعت ذلك الماضي الكئيب الذي كتبه بأسطر من دماء ورعب بشعين هتلر ومن معه من وجوه التاريخ الكالحة.

في المغرب لدينا أيضا مشكل صغير - ونحن نفضل أن نصفه بالصغير لكنه في العمق كبير للغاية - مع هذا الموضوع، وإن كنا في إطار  ال"politquement correct"،نتحاشى الحديث عنه لئلانزعجبعضناالبعضوكفى،وهو يسمى معاداة السامية والخلط بين اليهودية وبين الصهيونية

الأسبوع الماضي أحيى الفنان الجزائري الأصل الأمازيغي الهوية العبراني الديانة أنريكو ماسياس، حفلا في قاعة ميغاراما بالدار البيضاء حضرته قرابة السبعمائة محب لفن أنريكو، وحضرته قبالة السينما حوالي المائتين من الأصوات التي نددت بسهرته الغنائية واعتبرت أنه لا يحق له أن يزور المغرب، هو المحروم أصلا من زيارة بلده الجزائر.

الأصوات المنددة خلطت بشكل فاضح وفادح بين مواقف أنريكو السياسية وبين فنه، معتبرة أن الفنان يجب أن ينتصر للقضايا الإنسانية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يتصور فيه أنريكو أنه ينتصر لقضية إسرائيل، لكن هذا الاختلاف السياسي لا محل له من الإعراب فنيا . لماذا؟

لأن المنطق السليم يقول بأن على معارضي أنريكو أن يناقشوه حول هذا الموضوع، لا أن يطالبوا بمنعه من حقه في ممارسة الشيء الوحيد الذي يتقنه في الحياة أي الغناء

المشكلة المتخفية في كل هذا النقاش وهي المشكلة الحقيقية لدى هؤلاء هي أن أنريكو يهودي، وهم لايستطيعون قولها بهاته الطريقة الفجة لأنهم سيظهرون على حقيقتهم، لكن هذا هو عمق التفكير.

وعندما تكون سائرا في مسيرة من مسيرات الصراخ الجماهيري في الدار البيضاء أو الرباط من أجل قضية ما من قضايا ذلك الشرق الأوسط المعقد لا شك أنك ستستمع بإرادتك أو دونها لذلك الشعار العجيب "خيبر خيبر يايهود، جيش محمد سيعود".

المسألة تزداد سوريالية عندما ينضم مواطنون يهود مغاربة إلى مثل هاته المسيرات ويسمعون أناسا مواطنين لهم يسبون ديانتهم ولا يسبون الصهيونية. تفهم حينها أن ثمة مشكلا حقيقيا في الوجدان الشعبي الداخلي هو الآخر اعتنق معاداة السامية عن شعور أو عن لا شعور، وهو الآخر لديه في مخياله تصور معين عن اليهودي أو العبراني يصل قمة وقاحته حين ينطقها أمامك أحدهم بكل جهل ويقول لك "اليهودي حاشاك".

أكثر من هذا عندما تنصت لأغاني الجماهير الكروية في المغرب، وتستمع لبعض "المقطوعات" التي يشنف بها الأنصار أسماع بعضهم البعض على سبيل التنابز الكروي، وتجد أن عبارة أو كلمة "اليهود" و"اليهودي" تستعمل باستمرار للنيل من الآخر، تفهم أن هناك مشكلا حقيقيا في الفهم يجعل جزءا كبيرا من مجتمعنا يتصور أن عبارة "يهودي" هي سبة أو شتيمة وليست انتسابا لديانة مثلها تماما مثل المسلم والمسيحي والبوذي.

الأسوأ في الحكاية كلها أن تفسير انتشار هذا الجهل العامي بالاعتماد فقط على أنه إرث قديم لدى أناس أميين لم يعد قائما، لأن مجتمعنا نجح بفعل التجهيل والتضبيع الذي تعرض له (والتضبيع أسوأ بكثير من التطبيع، ولكن قومنا لايعلمون)  في نقل هذه المعاداة للسامية إلى الأجيال الجديدة والمتعلمة حتى أضحى الأمر عاديا ولا يثير أي إشكال..

وعوض أن نتفادى تشبيه أنفسنا بالشرق المريض، وأن ننقل إلى الأجيال الوافدة أننا بلد بانتماءات متعددة، وبديانات متعددة، وأن الرافد العبراني اليهودي المغربي ثابت أساس في هذا المكان، وهو مسبق في الوجود على هاته الأرض على أخيه ونظيره الإسلامي، وعوض أن تكون لدينا برامج توعوية في إعلامنا وبرامج مدرسية في مؤسساتنا التعليمية تشرح للجيل الصاعد هذا الأمر وتقدم له هذا الكنز الذي ننفرد به عمن عدانا من دول الالتباس القاتل والجاهل، تجدنا نتفادى طرح الموضوع أصلا للنقاش، ونكتفي بصورة فولكلورية سطحية نقول عبرها كلاما أغلبنا لا يؤمن به في قرارة نفسه، أو يقوله على سبيل رفع العتب وإظهار تسامح غير موجود على أر ض الواقع..

قالها فيلسوف عالمي كبير يوما بعد كل ماتعرض له اليهود من إبادة ومن جرائم لا يمكن نسيانها "من يهاجم اليوم اليهود يهاجم الإنسان باختصار"، ولم يستطع هذا العالم العربي الذي يعد اليهود مكونا أساسيا من مكوناته إلى حد الآن استيعابها. لذلك يظل الآخرون على حيطتهم تجاهنا وريبتهم تجاه مانفكر فيه من أفكار تبدو لهم غاية في الوحشية، خصوصا عندما نبشر منتمين لديانة سماوية أخرى غير ديانتنا بأننا سنرميهم جميعا في البحر ذات يوم أو عندما نتوعدهم أن الحجر بنفسه سوف يشي بهم لنا وسيقول لنا "هاهم يختبئون ورائي ، فلنقتلهم".

ترانا ندري حقا مانفعل بأنفسنا وصورتنا ومجمعاتنا وبشكلنا لدى الآخرين؟ أم ترانا فقط "غير غاديين"  لاندري كالعادة مانحن مقترفون؟

مجرد سؤال فرضته ضرورة التضامن مع الإنسانية بشكل عام وليس التضامن مع جزء منها على حساب بقية الأجزاء…