مجتمع

لكريني: لهذا أغضب الاتفاق الفلاحي البوليساريو .. والنخب الصحراوية نقطة قوة في الملف المغربي

سكينة بنزين الجمعة 18 يناير 2019
driss_laghrini
driss_laghrini

AHDATH.INFO - حاورته سكينة بنزين

صفعة جديدة تلقتها جبهة البوليساريو بعد مصادقة البرلمان الأوروبي أول أمس الأربعاء (16 يناير) على الاتفاق الفلاحي المغرب الاتحاد الأوروبي، بأغلبية ساحقة (444 صوت)، تبخرت معها إدعاءات الجبهة التي تبنت نبرة واثقة قبيل التصويت، بعد أن روجت آلتها الإعلامية إلى معطيات و مغالطات وجدت في ورقة الثروات الطبيعية ضالتها لافتعال أزمة جديدة تشوش على مسار الملف الصحراوي.

في الحوار التالي، يسلط الدكتور إدريس لكريني،أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي،  و مدير مختبر الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات، الضوء على الخطوات التي راكمها المغرب و مهدت الطريق إلى هذا الاتفاق الذي يروم تمديد التفضيلات التجارية إلى المنتوجات الفلاحية والصيد البحري المنحدرة من الأقاليم الجنوبية للمملكة، إلى جانب الخيبات التي راكمتها البوليساريو خلال المرحلة الأخيرة منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي و قطيعته مع سياسة الكرسي الفارغ، كما يسلط الحوار الضوء على دور النخب الصحراوية والمعطيات المادية على أرض الواقع في الجهات الجنوبية في ترجيح كفة الطرح المغربي وجديته.

 

* هل لك أن تضعنا في تفاصيل السيناريو الذي تبنته جبهة البوليساريو من خلال التلويح بورقة "الثروات الطبيعية"، و ما هي المكاسب التي كانت تراهن عليها مما تسبب لها في خيبة أمل وفق البيان الصادر عنها؟

 

** أولا جبهة البوليساريو و داعميها خصوصا الجزائر، اشتغلوا في السنوات الأخيرة على ما يسمى بافتعال الأزمات  من خلال الرهان على عدد من المداخل، في البداية تم الرهان على الجانب الحقوقي في الشق المتعلق بحقوق الإنسان، و السعي لتوسيع مهام المينورسو لتطال حقوق الإنسان.

و نعرف خطورة هذا التوجه الذي لم يتحقق في نهاية المطاف، بالنظر إلى ما شهده المغرب في هذا الجانب، كانت هنالك أيضا رغبة على مستوى الاشتغال فيما يسمى الثروات الطبيعية، الذي يندرج في سياقها هذا الاتفاق، و الاشتغال على هذا الملف كان  منذ سنوات، خاصة أن البوليساريو راكمت عددا من الخيبات التي دفعتها إلى افتعال أزمات خطيرة من قبيل التحرك في الكركرات، ومحاولة تغيير الواقع الذي ترعاه الأمم المتحدة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.

بالموازاة مع ذلك باشرت البوليساريو والجزائر في الآونة الأخيرة، تحركاتها داخل الاتحاد الأوروبي لمحاولة الترويج لمسألة "استغلال الثروات"، و مجموعة من المغالطات في هذا الصدد، استنادا إلى الجهود الإعلامية التي رافقت النقاشات والاستعداد لهذا الموضوع.

فمن الأكيد أن الموضوع سيخلف صدمة في أوساط البوليساريو ومن يدعمها، على اعتبار أنه كانت هناك مراهنة كبيرة على هذا المدخل، والمراهنة كانت تسعى أيضا إلى محاولة التشويش على علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي التي حققت مكتسبات مهمة على امتداد عقود.

 

* أشرت إلى الاستعدادات التي سبقت الموضوع، وهنا يمكن الحديث عن النبرة الواثقة التي روج بها إعلام البوليساريو عشية التصويت فرضية التأثير في نتائج التصويت، بعد أن أبدى ارتياحا لضمانه أزيد من 100 صوت، لتكون النتيجة أزيد من 440 صوت لصالح المغرب، ما هي قراءتك  لهذه الأرقام؟

**أكيد أن الأمور بخواتيمها، لكن يمكن القول أن المصادقة على هذا الاتفاق من قبل جهاز مركزي داخل الاتحاد الأوروبي وهو البرلمان الأوروبي بالنسبة الهامة التي ورد بها،وفي خضم هذه الدعاية والجهود التي باشرتها البوليساريو إلى جانب داعميها،أعتقد بأن الأرقام تبرز التوجه العام داخل الاتحاد الأوروبي.

هذا التوجه الذي يعكس أولا القناعة الواضحة بموضوعية الطرح المغربي وجديته على مستوى توجيه عائدات هذا الاتفاق نحو تعزيز التنمية داخل الأقاليم الجنوبية، ولا ننسى أن المغرب يستحضر حتى مشاركة النخب الصحراوية على مستوى المرافعة في هذا الصدد، أو على مستوى تعزيز المسار الجهوي الذي تطور في المغرب بصورة كبيرة مما أتاح لنخب الأقاليم الجنوبية أن تدبر شؤونها بنفسها، و تواكب المشاريع التنموية و خصوصا أن هناك مشاريع مهمة شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة.

وهناك مجموعة من المؤشرات الواقعية التي تعززها الأرقام و التي تكشف التنمية بالأقاليم الجنوبية بصورة تقطع الطريق على كل المغالطات التي ترد من الخصوم.

 

* مباشرة بعد الإعلان عن نتائج التصويت، أصدرت جبهة البوليساريو بيانا وصفت فيه قرار التمديد بأنه تقويض لجهود إقامة السلام المستدام، وفي نقطة أخرى وصفته بأنه غير قانوني، هل تلوح ردود الأفعال هذه إلى افتعال أزمات أخرى في المستقبل؟

**أولا من الطبيعي أن تأتي هذه التصريحات وردود الفعل بهذه الصورة من البوليساريو التي كانت تراهن على نتائج أخرى بناء على توجهات أخرى للاتحاد الأوروبي ،و أنا اعتبر أن تصويت البرلمان الأوروبي في هذا الاتجاه، يدعم جهود الأمم المتحدة على اعتبار أنه  ليس من حق الاتحاد الأوروبي أن يتجاوز الأمم المتحدة في هذا الصدد.

أي أن التعاطي مع هذا الموضوع ينبغي دائما أن يأخذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولا ينبغي تجاوزها و بالتالي الجزائر حين كانت تراهن على نتائج أخرى ،أعتقد أنها كانت خاطئة على اعتبار أن الموقف السليم هو ما اتخذه الاتحاد الأوروبي باعتبار أنه لا يمكن أن يتجاوز جهود الأمم المتحدة خصوصا جهود مجلس الأمن على هذا المستوى ، وبالتالي الاتحاد الأوروبي أو البرلمان الأوروبي كان موضوعيا وجديا في تصويته  بالنظر إلى أن هذا التصويت سيدعم بطبيعة الحال جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن على مستوى مواكبة الملف.

أما اعتبار البوليساريو بأن الأمر غير قانوني أو يعرقل مسار التسوية وغير ذلك، اعتقد أنها محاولات للهروب إلى الأمام على اعتبار أن كل تلك المداخل التي كانت تراهن عليها أفلست تحت واقع جدية المواقف المغربية في التعاطي مع الملف، لأننا لا ننسى أنه في مقابل هذه التحركات التي  قامت بها البوليساريو ومن يدعمها.

المغرب قام كذلك بتحرك مهم ساهمت فيه النخب الصحراوية الممثلة في المجالس المحلية، أو الممثلة في هيئات تمثيلية وطنية بصورة تسحب البساط من أي طرف يحاول التحدث عن الصحراويين أو سكان الأقاليم الجنوبية بصورة مغلوطة،وفيها تنكر الواقع الذي يعكس جدية المغرب ويؤكد أن هناك مشاريع تنموية تفند كل المزاعم التي تتحدث عن استغلال الثروات الطبيعية هذا الشعار الذي روجت له البوليساريو داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

*بالنسبة لشعار استغلال الثروات، هل يستقيم أصلا مع تورط بعض القيادات الصحراوية في عدد من قضايا الفساد المالي ؟

**عندما نتحدث عن موضوع الثروات الطبيعية أولا المغرب أثبت لساكنة المناطق الجنوبية قبل الاتحاد الأوربي على أنه جاد فيما يتعلق بتعزيز التنمية، كل الخطب الملكية التي وردت في السنوات الأخيرة،  تؤكد على المدخل التنموي كسبيل لدعم موقف المغرب من هذا الملف، لأن المغرب مقتنع تمام الاقتناع بأهمية المدخل التنموي.

لذلك هناك الكثير من التصورات والكثير من البنيات التي أحدثت في هذه الأقاليم والتي تبرز أن التنمية في المغرب خيار ، أكثر من ذلك المغرب اليوم يراهن على أن تلعب هذه الأقاليم في المستقبل القريب بوابة له على إفريقيا، ولا ننسى طبعا أن المغرب اليوم له توجه نحو إفريقيا على مستوى عدد من الملفات، خاصة بعد الانضمام للاتحاد الإفريقي.

وبالحديث دائما عن  موضوع استغلال الثروات الطبيعية، لا يمكن مطلقا لأطراف لم تقف على حجم المشاريع التي تحققت على الأرض على امتداد ثلاثين سنة  أن تتحدث في الموضوع، لأن هذه المشاريع  تشهد بها الساكنة، بالإضافة كذلك هناك مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب منذ عشر سنوات هذا المشروع وصفته الأمم المتحدة بالجدي والذي يتناول الجانب المتعلق بالتنموي وإشراك الساكنة في تدبير شؤونهم الإقليمية بواسطة نخب محلية ومن خلال مؤسسات مستقلة.

* التصويت بأغلبية ساحقة على الاتفاق الفلاحي المغرب الاتحاد الأوروبي، وقبله عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي هل يمكن القول أن المغرب يسير نحو تضييق الخناق أكثر على البوليساريو، وبعبارة أخرى هل يمكن الحديث عن مرحلة العمل بأريحية أكثر في تدبير ملف الصحراء؟

** طبعا ما ينبغي الإشارة إليه أن تدبير هذا الملف ليس مفروشا بالحرير، هناك تحديات وإشكاليات والمغرب واعي بهذه المخاطر، صحيح أن الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي قطع الطريق على منطق الصوت الواحد الذي ظل يتردد داخل جنبات الاتحاد الإفريقي، بعد أن اقتنع  بكلفة سياسة المقعد الشاغر.

ومن جهة أخرى لا ننسى أن البوليساريو تعرضت للكثير من الإحباطات المتتالية سواء تعلق الأمر بفشل توجهها في توسيع مهام المينورسو لتشمل حقوق الإنسان أو بالاشتغال على ما يسمى بملف الثروات الطبيعية أو محاولة اختلاق أزمات في الأقاليم الجنوبية كمنطقة الكركرات  وغيرها والتي دفعت الأمم المتحدة إلى إدانة هذا السلوك و مطالبتها باحترام الوضع القائم.

أعتقد بأن هذه كلها  معطيات تبرز أن الطرف الآخر أي البوليسايو ومن يدعمها أصبحت غير قادرة على تقديم الجديد أي أن تصورها للحل هو نفس التصور الذي كان سائدا منذ انطلاق النزاع.

في الجانب الآخر نجد أن المغرب تمكن من اعتماد ثلاث مداخل، الأول متعلق بالداخل من خلال تعزيز  مسار التنمية وهو خيار مهم استراتيجي لأنه يسمح بانخراط الساكنة في الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب بشكل عام، إلى جانب تعزيز الخيار الجهوي ودعم المجتمع المدني.

هناك أيضا الجانب الخارجي المرتبط بتفعيل الدبلوماسية المغربية على مستوى الرد على مختلف الطروحات أو المغالطات التي يطرحها الخصوم سواء تعلق الأمر بالاتحاد الأوربي أو تعزيز العلاقات مع القوى الدولية الكبرى أو تعزيز التعاون جنوب جنوب الذي يعد مهما جدا لأنه يسمح بمواجهة تلك الدعاية التي يطلقها الخصوم في هذه المناطق.

ومن ناحية ثالثة هناك أيضا الجانب المتعلق بالصرامة في التعاطي بعض التوجهات التي يطرحها الخصوم، لاحظنا الموقف الصارم الذي واجه به المغرب الأمين العام السابق للأمم المتحدة عندما تجاوز حدوده لاحظنا كذلك الرد المغربي على التوجهات السابقة محاولة بعض الأطراف داخل الاتحاد الأوروبي للإساءة إلى الوحدة لأوروبية لاحظنا كذلك الصرامة التي واجه بها المغرب التحركات الأخيرة للبوليساريو في الأقاليم الجنوبية بصورة تعكس أن المغرب واع بأهمية التحديات المطروحة على اعتبار أن الخصوم أيضا يشتغلون.

لكن أعتقد أن اليوم بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي و مع تعزيز مسارات التنمية داخل الأقاليم الجنوبية و مع اقتناع المجتمع الدولي المتزايد بموضوعية الطرح المغربي سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو غيره اعتقد أن هذه كلها نقاط ومكتسبات بكل تأكيد سوف تدعم الموقف المغربي.