السياسة

#ملحوظات_لغزيوي: البريني يفتح الكهف!!

المختار لغزيوي الاثنين 17 ديسمبر 2018
Capture d’écran 2018-12-17 à 10.30.51
Capture d’écran 2018-12-17 à 10.30.51

AHDATH.INFO

قرأت كتاب ذ. محمد البريني الجديد دفعة احدة. فتحت الصفحة الأولى ليلة السبت، ولم أقفل الكتاب إلا عند الصفحة 247 والأخيرة مع الساعات الأولى للأحد.

كتاب من النوع السهل الممتنع، يستهويك من خلال تفاصيل التفاصيل فيه إن كنت قارئا عاديا بعيدا عن المهنة، ويثير فيك شهية التعرف على المزيد إن كنت صحافيا منتسبا للقبيلة، معنيا بشكل أو بآخر بمختلف الأحداث التي يحبل بها المؤلَّف، والتي أثرت على مسار الصحافة المكتوبة في المغرب بشكل عام في السنوات العشرين الأخيرة..

اختار "السي محمد" لكتابه عنوان "الكهف والرقيم"  مستحضرا الآية القرآنية الكريمة "أم حسبت أن أهل الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا"، ومؤكدا على تميز حقيقي في اختيار العنوان طالما أن أهل الكهف والرقيم في الميدانين السياسي/ الصحافي الذين  تحدث عنهم سي محمد في كتابه لم يكونوا بالفعل آخر الأعاجيب، بل رأينا بعد ذلك العجب العجاب ولا زلنا سنرى، في الوقت الذي كان ذ. البريني يعتقد أنه بالفعل شاهد آخر ماجاد به الفكر السياسي المحترف عندما يصبح أكثر من ماهر في المناورة وفي الدهاء وفي الإطاحة بالخصوم أو بمن يعتبرهم خصوما..

تلخيص الكتاب عبارة واحدة: ظلم وقع على الرجل لم يستطع أن ينساه يوما، فكان كل ما تلاه، دون استثناء، مجرد رد فعل على ذلك الظلم الكبير الذي وقع عليه..

من النجاح الخرافي لجريدة "الأحداث المغربية" إلى الصورة التي أصبح عليها البريني حكيما لا يعلى عليه في المشهد الإعلامي، إلى هذا المؤلف الأخير مرورا بكل يوم عبره هذا الرجل بعدما تعرض له، كل ذلك يدخل تحت يافطة الظلم الواقع عليه والحديث المستمر عن ذلك الظلم .

لايريد ذ. البريني الانتقام، فهو يعتقد جازما أنه أدى ثمن اختيارات شخصية هو المسؤول الأول والأخير عنها لكنه في الوقت ذاته يرفض الصمت. يريد سرد نصيبه من الحكاية، ويريد أن يقول لمن يعتبر أنهم ظلموه ظلما شديدا إنه صمت بالفعل مراعاة لعديد الأشياء، لكنه لم ينس يوما أي شيء..

يتذكر الكاتب تفاصيل التفاصيل، ويقف عند كل لحظة مؤلمة رافقت إزاحته المهينة من جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، ويعتبر أنه آن الأوان بعد أن تحرر من المسؤولية في "الأحداث المغربية"، وبعد مضي مايكفي من الوقت أن يتحدث وأن يقول كل شيء

بالنسبة للقارئ الذي لم يعايش تلك الفترة حياة أو متابعة سيكتشف وجوها جديدة يضعها على الأسماء الكبيرة التي يعرف من الفقيه البصري إلى محمد باهي إلى عبد الرحمان اليوسفي إلى الحبيب الفرقاني إلى فتح الله والعلو إلى بقية البقية..

بالنسبة لمن تابعوا الحكاية في بدئها تحريك السكين في الجرح مؤلم للكاتب طبعا، وهو أمر واضح من خلال كل سطر بل كل كلمة في الكتاب، لكنه أيضا مؤلم للقارئ خصوصا عندما يكون متعاطفا مع التيار الذي يتحدث عنه الكتاب، ويكتشف أن الكثير من التقديس الذي تحظى به شخصيات معينة عن بعد هو أمر خاطئ ومخطئ تماما

ما المراد ختاما من الكتاب؟

بالنسبة للكاتب هو واجب شهادة، وتمرين ذاكرة لامفر منه، وحكاية يجب أن تقال. في أحايين كثيرة يعتقد القارئ أن هاجس الانتقام هو المحرك الأول والأخير، وأنه لم يكن يجدر بالكاتب أن ينزل إلى هذا المستوى، وفجأة تجد نفس الكاتب وقد ارتقى عاليا لكي يتحدث عن الذين ظلموه باحترام كبير ولكي يقول إن ماوقع له هو شخصيا لن يستطيع أن ينتزع من دواخله الاحترام الأول الذي جمعه بهم، فيحتار القارئ ويقول إن نزاهة هذا الرجل أكبر من القدر المسموح به في الوقت والمكان الحاليين، أو على الأقل هي نزاهة لا تنتمي لقبيلة الصحافة والصحافيين مثلما نعرفهم ويعرفهم الناس في هاته الأثناء

لكن من عرفوا الرجل عن قرب، يعرفون أنه صادق، وأنه يقول مايقوله وهو يعنيه، وأنه لم ينس الظلم فعلا لكنه لم يفقد الاحترام لعدد ممن ظلموه، وأن نفسه وإن عزت عليه فعلا في لحظات كثيرة واعتبر أنه لم يكن يستحق ذلك المصير الذي خصصه له مجموعة ممن كان يعتبرهم "إخوانا" إلا أنه في الوقت ذاته يمتلك مايكفي من النزاهة الفكرية والوضوح السوي لكي يستوعب جيدا أنه دفع ثمن اختيارات يتحمل فيها كل المسؤولية، ولا يتباكى عليها اليوم، ولا يقول إنه نادم.

هي خصلة نادرة جدا وقد لاتجدها إلا عند الأصليين فعلا الذين يعرفون معنى الاختيار، ومعنى أداء ثمن الاختيار، ولكن يعرفون أيضا معنى تذكر كل شيء بالنقطة والفاصلة والزمن واللحظة والهنيهة والثانية والدقيقة واليوم والساعة.

في الكتاب أيضا، وقد شاءت الصدف أن يخرج مع حكاية الوزير الرميد وعبد العالي حامي الدين والتدخل غير المقبول في استقلال القضاء، إشارة إلى احتفال جريدة "الصحوة" البائدة بحدث تنحية ذ. البريني من "الاتحاد الاشتراكي".

كان مدير الصحوة آنذاك هو مصطفي الرميد، وكان يعد العدة منذ تلك اللحظة هو وآخرين لما سيأتي فيما بعد. لعل الصحوة نشرت مقالها المحتفي برحيل البريني من الاتحاد الاشتراكي أشهرا قليلة بعد مقتل آيت الجيد، ولعل العدد الذي احتفت فيه بتنحية البريني كان يتضمن أخبارا أخرى عن فاس وعن غزوات المجاهدين في الرفاق اليساريين الذين كانت تعتبرهم تلك الجريدة أيامها كفارا يستحقون القتل، ويستحقون التعتيم عليهم بعد القتل، ويستحقون إذا ما أراد القضاء النظر في قضاياهم بعد مرور عشرين سنة أن ينتفض الجمع وأن تصيح مضارب القبيلة عن بكرة أمها وأبيها وبقية عائلتها "لن نسلمكم أخانا"..

لم أر صدفة في الحكاية. لا شيء في الحياة متروك للصدفة. رأيت فيها استمرارا شرعنا فيه منذ تلك الأثناء ورأيناه رؤى العين وهو يتحقق، وأطال الله أعمارنا حتى تغيرت المواقع والمناصب واستمر التيار إياه في قطف كل الثمار، وفي الوقت ذاته في قذف الثمار الأطيب فينا بكثير من الحجارة.

قرأت الكتاب دفعة واحدة ولم تشف تلك القراءة الأولى غليلي. سأعود إليه ثانية وثالثة، إذ في كل سطر فيه أتذكر عديد الأشياء التي عشتها بتزامن مع تلك الأحداث، ولم أكن أتخيل أن الزمن بعد مرور العقدين سيحمل لي معه تحولات عديدة.

في الختام لهذا يصلح كتاب مثل هذا : أن يدفعك دفعا إلى تأمل أنت تهرب منه دائما حول الجحود وحول مهنتنا التي تأكل أبناءها، وحول السياسة التي لا تتورع عن القيام بكل شيء وبأي شيء وباللاشيء أحيانا للوصول إلى مبتغاها وحول عديد الأمور…

للقراءة فعلا..