ثقافة وفن

#ملحوظات_لغزيوي: العودة إلى الحمراء !

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 30 نوفمبر 2018
jamaa-fna-marrakech
jamaa-fna-marrakech

AHDATH.INFO

كل الذين حضروا مهرجان الفيلم الدولي بمراكش منذ لحظة تأسيسه سنة 2001 أحسوا السنة الماضية بألم حقيقي، عندما علموا أن الدورة لن تقام، وأنها ستؤجل لأجل بعض التعديلات الفنية والتقنية على المهرجان. لكنهم كانوايعرفون أن الأمر ضروري وأساسي وهام، وأنه لابد مما ليس منه بد..

ذلك أن المهرجان الأهم للسينما في المغرب وفي المنطقة دخل قبل السنة الماضية في نوع من الروتين الإداري والفني، وفي صراع بين مختلف طبقات المتدخلين فيه إن سينمائيا أو تنظيميا الحد الذي جعل القرار يصدر عن رئاسته بشكل حكيم للغاية بضرورة إعادة النظر في طريقة الاشتغال، وفي بعض التكليفات بالمهام، وفي عديد النواحي المرتبطة به لأجل الحفاظ للحدث السينمائي المتميز، الذي هو المهرجان الدولي للفيلم، على الهالة التي صنعها على امتداد سنوات بفضل  الإشراف الفوقي والشرفي لجلالة الملك وبفضل الإشراف المباشر والفعلي لسمو مولاي رشيد.

لذلك تبدو عودة السينما العالمية إلى مراكش ابتداء من اليوم، وعلى امتداد الأيام المقبلة أمرا مفرحا للغاية لعشاق السينما ولعشاق الحمراء ولعشاق المغرب. وتبدو أيضا فرصة أكثر من رائعة لتبادل الرأي حول مدى استفادة المهرجان من لحظة التوقف الضرورية التي كانت، وللتأكد أن مسارا جديدا سينطلق ابتداء من هذه الدورة السابعة عشر التي يمكن اعتبارها الانطلاقة الثالثة الجديدة للمهرجان الذي ابتدأ في ظروف خاصة للغاية في دورته الأولى (لامفر هنا من الترحم على الرائد توسكان دي بلانتيي)، ثم عاد وانطلق انطلاقة ثانية بعد تكليف إدارة أخرى بتنظيمه وهاهو ينطلق هاته الانطلاقة الثالثة التي نتمناها دائمة وأبدية وموفقة

سينمانا المغربية يجب أن تستفيد من هذا المهرجان، لأن لحظة توقفه العام الماضية أقنعتنا أننا نتوفر على حدث سينمائي عالمي لم نكن نحسن التعامل معه، وكان البعض من سينمائيينا يحوله إلى لحظة استجمام لا أقل ولا أكثر عوض أن يجعله الفرصة المثلى للفرجة الكثيرة على مايأتي به المهرجان من أفلام، وأيضا فرصة للاستفادة من الخبرات العالمية التي تأتي إلى هنا سواء عبر دروس الماستر كلاص أو عبر الندوات الصحفية مع الكبار الحاضرين، أو عبر المشاهدة المكثفة الذكية التي تستفيد من كل ماتلتقطه العين والأذن وبقية الحواس

صحافتنا الفنية أو التي توصف بالفنية أو صحافتنا بشكل عام، (دعنا نضع كل هذا البيض في سلة واحدة ونستريح) يجب أن تستفيد هي الأخرى من هذا الحدث السينمائي العالمي هي التي لا تتاح لها فرصة تغطية مهرجانات سينمائية عالمية، وكل علاقتها بالفن السابع هي مهرجاناتنا المحلية التي يمكن اعتبارها "على قد الحال" ولا تشفي غليلا سينمائيا فعليا

طريقة التغطية يجب أن تكون مواكبة لقيمة هذا الحدث السينمائي العالمي، ووسائل إعلامنا يجب أن تفكر بطريقة أو بأخرى في تكوين صحافيين متخصصين يشاهدون السينما دائما وليس فقط حين تكون مجانية، ويعتبرون فرض التعرف على جديدها وقديمها وعلى المتوسط الموجود بين الإثنين فرضا شخصيا يمارسونه عن حب لا عن مهنة، ويرون فيه شيئا مقدسا يمكنهم حين تغطية أحداث مثل هاته من أن يكونوا في مستواها، عارفين الأفلام المعروضة حافظين لسيرة مخرجيها وممثليها، مستوعبين للمدارس التي تمثلها، وقادرين بلغات متعددة على محاورة صناعها والعاملين فيها

مشهدنا الثقافي أيضا يجب أن يستفيد من هذه الانطلاقة الجديدة للمهرجان. هذا الحدث ليس فقط مناسبة لعرض قفاطين من الدرجة المتوسطة على البساط الأحمر ولا هو لحظة ارتداء السموكينغ مرة واحدة في العمر وكفى. هو حدث سينمائي يدل على رغبة واعية لدى المغرب في منح السينما أولوية قصوى، ويدل أساسا على أن المغرب يفهم معنى الفن السابع ويفهم معنى الرهان عليه، وأنه يريد من خلال هذا الإشعاع الكبير الممنوح لهذا المهرجان أن يقدم الدليل على أنه بلد متحضر يريد فعلا أن يكسب بطاقة العضوية الدائمة في نادي المتحضرين، لذلك لا مجال لصراعات الشللية الصغيرة، ولا لتلك الجلسات المفتقدة للإنسانية التي تنشغل نميمة طيلة المهرجان عوض أن تستوعب أن أيام الدورة هي أيام فرجة ونقاش ثقافي ولقاء حضاري قد لا تتكرر..

إدارتا المهرجان الفنية والتنظيمية أيضا يجب أن تستفيدا من الانطلاقة الجديدة، وصارم الفاسي الفهري من موقعه مثل فيصل العرايشي من موقعه، يجب أن يعطيا للمتتبعين الإحساس أنهما يعرفان معنى إدارة مهرجان مثل هذا، ويجب أن يعطيا أيضا الدليل على أنهما فهما معنى توقف حدث كبير مثل مهرجان السينما لمدة سنة لأجل مراجعة الأوراق، ويجب أن يقدما دليلا ما على أنهما حاضران معا قبل وأثناء وبعد المهرجان رفقة طواقمهما أجل إنجاحه وإثبات وجوده هو لا إثبات أي شيئ آخر

لهذا المهرجان في ذاكرة كل متتبع حقيقي للسينما المغربي طعم خاص، وله في أعين المغاربة معاني الكبر والسمو والرفعة والرغبة في جعل المغرب متصدرا للحدث السينمائي في المنطقة ككل. وهذه مسألة نستطيعها بكل سهولة، فقد تفوقنا على مهرجانات عريقة أخرى دخلت في طور الروتينية والصراعات الصغيرة و"شغل الموظفين" مثلما قال عادل إمام الزعيم عن مهرجان القاهرة الدولي، تماما مثلما تفوقنا على مهرجانات تقام في بلدان غنية جدا لكن تفتقد تلك الروح السينمائية الأولى التي تصنع الفرق، وتفتقد لحب السينما الأول الذي يمنح مراكش تميزا أكبر.

لهذا لا عذر لنا في عدم النجاح في هذا العرس، ولامبرر لنا في عدم جعله متوهجا ومتألقا ودائما وأبديا وعنوانا مستمرا على أن من يحب الحياة يذهب إلى السينما، ومن يحب السينما فعلا يذهب إلى مراكش، ومن يحب المغرب يستطيع حب كل الأشياء الجميلة بكل اختصار

لتبدأ الفرجة، ونتمناها جميلة ومستحقة لهذا الاحتضان المغربي الكبير، فقد اشتاقت السينما العالمية لمراكش مثلما اشتاقت الحمراء لفنها السابع ولكل الفنون...