الكتاب

#ملحوظات_لغزيوي: المغرب: نخبة و"نخبة" !

أسامة خيي الجمعة 16 نوفمبر 2018
Capture d’écran 2018-11-16 à 13.39.55
Capture d’écran 2018-11-16 à 13.39.55

AHDATH.INFO

المغرب الذي أطلق قطاره فائق السرعة الخميس، هو المغرب الذي سيطلق قمره الصناعي الجديد، وهو المغرب ذاته الذي أطلق مشاريع كثيرة يريد بها تنمية مستوى عيش سكانه، وهو المغرب نفسه الذي أخطأ في مشاريع، ونجح في مشاريع أخرى ولم يتوقف يوما عن العمل. لم يكل ولم يمل.

ومنذ 1999، بل وقبل ذلك بكثير، أي منذ سياسة السدود، وغيرها من المشاريع التي ميزت عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وحتى مشاريع اليوم التي يريد بها المغرب الدخول إلى الوقت الحديث، لم يقل البلد لنفسه يوما "أنا بلد فقير ولا إمكانيات مادية لدي، إذن يمكنني أن أنام في الظل وأنتظر الإعانات".

لا، بادر المغرب إلى تبني سياسة هجومية في كل القطاعات من سياسته التي اختار لها ديبلوماسية مغايرة وناجعة تعتمد على منطق رابح/رابح، وتخرج من عهد الشعارات وتبويس اللحى والمجاملات الفارغة التي لا تقدم ولا تؤخر، إلى اقتصاده الذي أراد له انخراطا أكبر في الزمن الحالي والزمن القادم، وراهن على جعله وسيلة لخلق فرص الشغل، وللإجابة على أسئلة كثيرة يطرحها سكان هذا البلد حول مشروعهم التنموي، وحول النموذج المقدم إليهم.

هذا المغرب الذي يعطي المرة بعد الأخرى الدليل على أنه لن يتوقف يوما عن محاولة الالتحاق بركب الدول النامية أو الصاعدة، وأنه يعي مفترق الطرق العالمي، والقاري والإقليمي الذي نمر منه، أو ما يسميه أكثرنا تعالما "السياق الدولي"، ويفهم أنه يجب أن يؤسس للحظة الانطلاق وفق هذا السياق الذي ابتدأ قبل حرب الخليج الأولى والذي استمر بفوضاه الخلاقة، ومر بحرب الخليج الثانية وبلحظة سقوط البرجين الشهيرين في مانهاتن، وبمرحلة الاستيلاء على منابع النفط الأساسية في المنطقة العربية، وبصعود التيارات الشعبوية في أكثر من بلد وأكثر من دولة، وبالربيع العربي الذي هب بكل عواصفه على الأمكنة منذ سبع سنوات وببقية التطورات التي لازالت تقدم نفسها، للراغب في فهمها، بهدوء على دفعات كاشفة يوما بعد الآخر ملابسات أيام مضت لم نكن نستطيع استيعابها بالكامل لأننا كنا في  قلب أحداثها الساخنة آنذاك .

هذا المغرب يعاني صعوبات اقتصادية واجتماعية كثيرة أيضا، لكنه لا يقف ولايريد أن يقف، ولا يحق له أن يقف.

البعض منا، ومن قلب انهزامية قاتلة، يستكثر علينا هاته المشاريع العملاقة، تماما مثلما يستكثر علينا المشاريع الصغيرة. هو في الحقيقة يستكثر علينا كل شيء، ويقول إنه يتمنى في قرارة نفسه أن نتوقف وأن نسلمه قياد أنفسنا. أن ننصت لصوته هو فقط، وألا نعطي أنفسنا حق العمل وحق التجربة، وحق الخطأ وطبعا بعد كل هذا حق النجاح فيما نخوضه من محاولات تطوير وتثوير مستوى عيش المواطن في هذا المكان

سبب هذه الرغبة الأمل في أن نكون مثل الآخرين: بلدا بدمار كثير، وبضجيج أكثر وبانعدام رؤية لا للمستقبل القريب ولا للآخر الأبعد منه.

هذه النية التي يعبر عنها العديدون في مكتوباتهم، وفي مداخلاتهم، وفي أحاديثهم إن واقعيا على أو مستوى مواقع التواصل الاجتماعي تكشف لنا جانبا آخر من أنانية نخبة معينة تقول لنا بالحرف ودون أدنى إخفاء لنواياها: إما أن أكون أنا في الواجهة أو سأعتبر بأن كل ماتفعلونه غير صالح لشيء.

مشكل المغرب الأكبر هذا النوع من "النخبة"، مع التحفظ على وصفها وصفا أكبر منها مثل هذا. ذلك أن من يحب بلده فعلا، ومن يتمنى الخير لشعبه حقا لا يربط بقاء هذا الخير والتنويه به ببقائه هو في موقع المسؤولية أو في صدارة الأحداث

بالعكس، إذا كانت النية صادقة فعلا، وإذا كان حب الوطن صافيا لوجه هذا الوطن، فالمفروض أن يتمنى المحب لبلده الخير وأن يتمنى النجاح لمن يأتون بعده أو من يخلفونه، أو من يحتلون مكانه، وأن يقنع نفسه أن الأيام بين الناس دول، وأن دوره قد مر وأن أدوارا أخرى قد أتت لأناس آخرين سيمضون لحال سبيلهم هم أيضا وسيخلون المكان لأناس بعدهم وهكذا دواليك في إطار سنة الله التي لن تجد لها تبديلا

لكن الأنانية والتقوقع على الذات، وحب النفس وكراهية الآخرين، ثم الاعتداد بأن الإنسان/الحزب/التنظيم/ الوزير/المسؤول بالنسبة لنفسه أفضل من الآخرين كل الآخرين، الذين يتم وضعهم في سلة الشر الكامل فقط لأنهم يمتلكون تصورا مغايرا أو رؤية مختلفة أو قراءة لا نتفق معها حول كل المواضيع، كل هذا يمنع هاته النخبة في غالبيتها من أن تكبر وتسمو وتصبح في مستوى المغرب، وفي مستوى الوطن .

لذلك وعندما تكثر التطاحنات الصغيرة، والضرب المتسخ تحت الحزام، واللعب بالأشياء فقط لأجل أمكنة تافهة مهما بلغت أهميتها، ولن تدوم لمن يصلها أبد الدهر، نفهم أن المعركة ستكون أشرس من أجل وطننا، وأن معارك التطوير والتثوير لاقتصادنا ولمجتمعنا ولبلدنا بصفة عامة ستواجه طبعا المقاومة الكبرى من طرف أعداء هذا الوطن، لكنها أيضا ستواجه مقاومة أكبر وأخطر من طرف من يدعون القرب منا وهم لا يرون قربا إلا من أنفسهم، وليذهب الكل والبقية والجميع إلى الجحيم.

هي معركة قدر للمغرب أن يخوضها، وأن يدخلها بتزامن مع معارك كثيرة فرض عليه بعضها واختار هو عن شجاعة وإقدام  البعض الآخر، ولا نعتقد المغرب - نحن الذين نحبه لوجه المغرب فقط لاغير - إلا منتصرا في ختام كل الأشياء…

هذا النبوغ المغربي، وهذا التاريخ المسمى مكاننا/انتماءنا الأول علمنا هذه القاعدة، وأقنعنا بها، ولن ينجح أي كان في إزالتها من أذهاننا، مهما قال ومهما فعل ومهما حاول.