السياسة

لغزيوي يكتب: "القضية بوعشرين"..الخلاصات الأساسية

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 12 نوفمبر 2018
IMG-5356
IMG-5356

AHDATH.INFP

ماتخوف منه العقلاء الذين تابعوا ملف توفيق بوعشرين، مدير نشر "أخبار اليوم" المحكوم بإثني عشر سنة سجنا نظير تهمة الاتجار بالبشر، هو الذي وقع..

اللعب السياسوي بالملف. اختيار سياسة الهروب إلى الأمام. الدور السلبي الذي قام به دفاع المتهم، الدور السلبي الآخر الذي قام به جناح داخل حزب "العدالة والتنمية" ثم استراتيجية الإنكار الممنهج لأشياء ثابتة بالحجة والدليل، بل بالصوت والصورة كل هذا أدى في ختام القضية يوم الجمعة الفارط إلى إدانة كان الكل ينتظرها للمتهم المذكور.

إدانة يراها الضحايا أقل من المتوقع، ولم تجبر ضررهم وهو ماجعلهم يقررون اللجوء إلى الاستئناف. وهو رأي يشاطره إياهم كل من يعرفون قليلا في الفصول الجنائية المعمول بها في البلد، والذين تذكروا منذ ابتدأت هاته القضية، وخصوصا حين انطلق فصل تقاضيها داخل المحكمة في شهر رمضان الفارط الكوميسير ثابت، وقصص الكوميير ثابت وقارنوها ببعض من قصص القضية التي انتهت ابتدائيا الجمعة، فوجدوا شبها كثيرا، بل ربما وجدوا كثيرا من الشطط في استعمال السلطتين المعنوية والمادية في هاته القضي أكثر من قضية الكوميسير ماجعلهم ينتظرون الأسوأ وينتظرون حكما قاسيا للغاية، لن يصل درجة الحكم بالإعدام الذي مس الكوميسير البيضاوي الشهير، لكن لن يقل أبدا عن العشرين سنة من السجن، بالنظر إلى أن بوعشرين لم يمر عند قاضي التحقيق، وإلا كانت العقوبة مقاربة للثلاثين سنة أو مايناهز ذلك..

أيضا يمكن اعتبار حجم الغرامات المالية التي قضت بها المحكمة غير كبير مقارنة مع  الضرر الحاصل، لأن حسبة بسيطة وبدائية تقول لنا إن متهمة من المتضررات حكمت لها المحكمة بما يناهز عشرة آلاف درهم لكل شريط فيديو ظهرت فيه وكرامتها تمتهن، بعد أن تم استغلال بؤسها الحياتي في هذا الملف غير النظيف كثيرا، وهو ماجعل العديدين يطرحون السؤال الجمعة: "هل يساوي التشهير بسمعة وكرامة امرأة وتصويرها جنسيا مليون سنتيم لكل فيديو فقط في المغرب؟"

القضية التي انتهت ابتدائيا الجمعة تنذر بتطورات  كثيرة في المرحلة الاستئنافية، وكثير من الناس الذين يتابعون القضية عن بعد، ولا يحتفظون لا بعلاقة حقد مع  المتهم تجعلهم يتمنون له الأسوأ، ولا بعلاقة ود  تجعلهم يبرئونه وإن أدانته التسجيلات، يقولون إن دور دفاعه في المرحلة المقبلة سيكون أساسيا.

ذلك أن أهم عامل ورط التهم المذكور في القضية إياها هو دور دفاعه في دفعه نحو إنكار لم يفهمه أي عاقل تابع الملف، وهو ماجعل النقيب بوعشرين ينسحب من القضية في بدئها، ويلمح بشكل أو بآخر إلى أن اختيار الممارسة الجنسية الرضائية ربما كان سيحل الإشكال من بدئه وقبل المتم.

لكن أطرافا سياسية أخرى تسللت بأسدها ومصباحها إلى دفاع بوعشرين، واختارت أن تلعب به لعبة لا معنى لها خلطت فيها بين أخنوش والحكومة وابن كيران والبلد والانتقام من القلم رغم أن القلم الوحيد الذي كان يتابع في هاته القضية هو قلم لاعلاقة له بالكتابة إطلاقا، وهو قلم يقرنه الناس دوما وأبدا حين الحديث عنه بعبارة "أعز الله قدر الجميع" أو بدارجتنا العادية والبليغة "حاشاكم".

وقد بلغ الخلط مبلغه، وامتد وتواصل إلى أن انتهى عند مزج معيب مع قضية خاشقجي، ما أضحك المتتبعين بحزن لأنهم فهموا أن الباب المسدود الذي وصله دفاع المتهم جعله يختار الهذيان وإن كان هذا الهذيان من النوع الذي يصعب أن يصدقه عاقل أو أن يقنع ذهن لبيب أو حصيف...

دور جناح معين من "العدالة والتنمية" في تطورات الملف منذ البدء كان دورا سلبيا، وربما لعب حامي الدين المستشار المعروف، من حيث يدري أو لايدري، دورا كبيرا في تأزيم قضية توفيق ودفع ملفه نحو عدم العثور على أي حل، خصوصا وأن قضية المتهم إياها تزامنت مع فتح ملف آيت الجيد الطالب التقدمي الذي اغتيل بداية التسعينيات في الجامعة في فاس، والذي حوكم حامي الدين بسرعة في قضيته قبل أن تقفل دون أن يعرف الناس حجم تورطه فيها.

فتح جديد للقضية جعل حامي الدين يشعر أن رقبته مطلوبة للعدالة، وأنه التالي بعد بوعشرين. ماجعله يختار رفقة الإدريسي ورضا وبقية الجناح إياه في البيجيدي، استراتيجية تسييس قضية جنسية فيها متضررات تقدمن بشكايات واضحة، وفيها متهم لم يستطع نفي وجوده في  الفيديوهات التي عرضت عليه على امتداد ثمانين جلسة شهدت الاستماع لكلام المشتكيات، وشهدت سجالات حادة بين المحامين، وشهدت اللجوء إلى خبرة تقنية كانت الحاسمة بعد أن أكد الدرك الملكي أن الفيديوهات لم تتعرض لأي تزييف أو تزوير وأن ماورد فيها حقيقي ولا يقبل أي إشكال.

الذين اختاروا خطة تسييس القضية كانوا يعرفون أنها الوسيلة الوحيدة لخلط الأوراق، لكنها أبدا لن تكون وسيلة لتبرئة المتهم، وهذا الخلط للأسف الشديد يواصل الدفاع إياه اللجوء إليه بعد أن تم التلويح بضرورة انتظار مسطرة العفو الملكي، وهو انتظار لا علاقة له بالقضية، لأنها تجمع مواطنات مغربيات تضررن من مواطن مغربي، وملك البلاد لا يمكنه أن ينتصر لمواطن على حساب مواطن آخر. ولو تعلق الأمر بقضية أساء فيها المتهم إياه أو غيره لملك البلاد شخصيا لانتظر المغاربة العفو وترقبوه لأن الملك سبق وفعلها، وصفح على كثيرين في أمور تعني جلالته، لكن وبما أن الأمر يعني مواطنات في مواجهة مواطن آخر فإن للحكاية توجها آخر مخالفا تماما...

العقل السليم كان الغائب الأكبر في هذا الملف منذ بدئه، وكثيرون من أنصار المتهم إياها باحوا في السر وفي جلسات جانبية غير مسجلة ولا تصل إلى الإعلام، أن اختيار اللحظة الأخيرة أي الاعتراف بالممارسة الرضائية كان منذ البدء هو حل الملف، لكن الأمر كان مستحيلا للمتهم الذي بنى سمعة مؤسسته الإعلامية على الاقتراب من الحزب الإسلامي إياه، وعلى ترويج خطاب محافظ في المجتمع كان سيتعرض للتشويه لو قال بعظمة لسانه إنه مارس عكس ماظل يدعو إليه ويدافع عنه

وهذا الخلط وهذا الغياب عن إعمال العقل السليم، وهاته الرغبة في مزج كل الأوراق مع بعضها البعض قصد الخلط لا قصد أي شيء آخر، هو الذي جعل لجنة بأكملها تتأسس قصد طمس الحقيقة، وقصد مهاجمة المتضررات بألفاظ سيئة، وقصد التشكيك في كل مايهم هاته النازلة إلى أن أوصلوها في الختام إلى ماوصلت إليه: الإدانة الثابتة بالحجة والدليل، وعدم اقتتناع الضحايا أنهن تعرضن فعلا للجبر، لأنهن يرين ودفاعهن أن الحكم مخفف، وأن الغرامة المالية أقل مما كن ينتظرنه بكثير.

في الختام، يحق لنا وقد تابعنا هذه القضية المؤسفة منذ انطلاقها، وحتى لحظة إصدار الحكم الابتدائي فيها أن نطرح السؤال: ماذا لو تم اللجوء إلى إعمال العقل منذ البدء عوض الصعود إلى الجبل والانتهاء عند سفحه بحكم ثقيل يراه من رفعوا القضية مخففا ولا يستجيب لمطالبهم؟

ماذا لو فعلا؟

للتأمل ليس إلا…علما أن القضية لازالت تنتظر مرحلة التقاضي في الاستئناف، وحينها سنرى إن كان الدفاع إياه والأطراف المحركة له ستغير الاستراتيجية؟ أم أنها ستواصل اللعب بالسياسة في قضية جنائية واضحة المعالم، وغير طاهرة الرائحة، ومزكمة للأنوف السوية في عديد التفاصيل ؟