الكتاب

لغزيوي يكتب: "عصمنلية بلا خبار أفندينا" !!!

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 15 أغسطس 2018
880x495_cmsv2_ae296a7f-834e-59e9-a8bc-e9e75ee75e7f-3266670
880x495_cmsv2_ae296a7f-834e-59e9-a8bc-e9e75ee75e7f-3266670

AHDATH.INFO

عجيب هذا الأمر ومدهش، إلى درجة تتطلب فعلا بعض الكلام.

ناشطون "شاط عليهم النشاط" أكثر من اللازم، فأطلقوا عبر الأنترنيت المغربي دعوة لمقاطعة بضائع مغربية لفائدة مساندة بضائع تركية تضامنا مع الليرة العثمانية في محنتها الاقتصادية، ودعما لأفندينا أردوغان في "حروبه" المتعددة مع جهات غير قابلة للتحديد أصلا…

الحكاية تتطلب بعض الكلام، لكن تتطلب أصلا بعض التأمل والتفكير لأنها دلالة "اغتراب" من  نوع جديد عوضنا به المأثور الدارج الساخر الذي كنا نسمعه في السابق عن الذين يقلدون إخوتنا المسيحيين في عاداتهم وتقاليدهم حين كان المغاربة يقولون عنهم إنهم "نصارى بلا خبار سيدنا عيسى"

هذه المرة  نحن أمام أتراك "بلا خبار أفندينا أو الصدر الأعظم أو خليفة الرجل المريض، أو الخليفة العثماني"، أو ماشئت من الألقاب التي تدل على أن هناك مشكلا ما مع الدولة التي كانت ذات يوم، والتي استطاعت أن تدخل كل عواصم الإسلام إلا مراكش وأرضها، وبقيت واقفة تنتظر يوما يتأتى لها فيه أن تنتقم من هاته العقدة التي دامت واستدامت، حتى استحالت بالفعل عنوان صراع بين من يريد لنا البقاء مغاربة "وبس" وبين من يحلم بأن نصبح أتراكا بالسياسة والاقتصاد والتهليل لكل انتخابات فاز فيها العدالة والتنمية في شقه البوسفوري وباللباس والسياحة، وبالإشارب الأنيق الموضوع بكل عناية فوق الحاجب المزين بالكحل والذي لا يساير التكوين المورفولوجي للمغربية وإن زينت فيه، وجودت أكثر مما تسمح به الشروط الطبيعية المؤسسة لكل مكان، ولكل المنتمين والمنتميات لذلك المكان، وببقية المتعلقات.

لكن ومع هذا الانبهار غير المفهوم من البعض بالنموذج التركي - إن كان هناك نموذج تركي أصلا- والمفهوم جدا من طرف من يعرفون بعضا من الجوانب الخفية للعلاقة التي تأسست منذ  زمن غير قريب بين أطراف مغربية وأطراف تركية، لا مفر من مناقشة الظاهرة يوما، ولا بد من محاولة استجلاء عمقها بعيدا عن التنابز العابر بين مؤيديها وبين الرافضين لها تماما..

عندما تحادث صحافيين أو مهتمين غربين عن الحالة التركية، يسارعون للتأكيد على أن أردوغان لايمكن بأي حال من الأحوال أن يكو نموذجا لحاكم ديمقراطي متفتح، ينصت لأصوات المعارضين ويتيح لمخالفيه التعبير عن آرائهم دون إشكال، ويفتح المجال على مصراعيه أمام الرأي والرأي الآخر في بلاده

يستل لك هؤلاء بسرعة نموذج التنكيل بالمعارضين لرجب الطيب، وهو تنكيل لايقف عند حدود السجن أو المحاكمة، بل يمر إلى السرعة القصوى، ثم يقدمون لك نموذج التدخل العسكري ضد المعارضين الأكراد، ونموذج الاقتحام العسكري للأراضي السورية، وبقية النماذج التي تكاد تقنعك أن الأمر لايتعلق بذلك النموذج الطيب جدا الذي يقدمه لك المنبهرون لرجل يبكي كثيرا وهو يقرأ القرآن، وهو يأكل وهو يشرب وهو يلقي الخطب، قبل أن يذهب إلى المستشفيات لزيارة كل مريض تركي بنفسه، وقبل أن يوزع أضاحي العيد على المحتاجين والفقراء واليتامى وعابري السبيل مما تتفنن الدعاية الإخوانية عبر الفيسبوك وتويتر في ترويجه وإقناع ذوي العقول المتوسطة والصغيرة بصدقه وإن كان بعيدا عن الواقع.

بالمقابل عندما تنصت لهؤلاء وهم يتحدثون عن تركيا التي أصبحت بالنسبة لهم نموذجا اقتصاديا قويا في سنوات قليلة بفضل العدالة والتنمية وبفضل أردوغان شخصيا، وعندما يقدم لك مريدو الرجل في المغرب، وفي غير المغرب آيات انبهارهم بعظمة هذا القائد العثماني الأسطوري الذي استطاع أن يوقف انقلابا عسكريا اعتمادا على تسجيل في فيديو هاتف نقال، والذي يقف ضد كل القوى الإقليمية والعالمية غير عابئ بشيء، والذي يتحدى إسرائيل مرة بعد الأخرى "بسحب السفير من تل أبيب ثم إعادته مجددا"، وبقية الترهات تكاد تقتنع أن ثمة مشكل إقناع فقط في الحكاية كلها..

لنتحدث بصراحة، ولنقل إنه مشكل ترويج منتوج وهمي( مثل منتوجات الحصان الأسود الذي يعطيك قوة توازي قوة ألف رجل)، بالإضافة إلى أنه منتوج غير ملائم للشروط القانونية السارية في البلد في المعاملات التجارية.

ولكي نبقى في المجال الاقتصادي، وإن كنا آخر من يفهم فيه وفي شؤون الليرة التركية المتهاوية، وتشجيع البضاعة العثمانية مقابل الهجوم والتحريض على البضاعة المغربية يمكن القول إن الأمر يتعلق بمنتوج منتهي الصلاحية منذ أصبحت تركيا ذات يوم رجلا مريضا، وحتى دارت الأيام دورتها التاريخية العادية وتذكرت إسطنبول الشام الذي كانت فيه، وحواري القاهرة التي كانت تحكمها، وأزقة الجزائر البيضاء وبقية العواصم العربية التي دخلتها يوما. ثم تذكرت بالمقابل بلاد مراكش التي رفضت التكليف العثماني، وردت بالإمارة العتيقة والعريقة على الخطاب السلطاني الشهير بالقول إن للمغرب أناسا وربا يحمونه منذ قديم الأزل، وأن مسألة الضم والتبعية لن تكون أبدا.

بالمقابل المتوفر الوحيد لدينا هو الاحترام المتبادل،  والعمل وفق مصالح الوطن أولا ثم مصالح بقية الأصدقاء وغير الأصدقاء أينما كانوا في هذا العالم الفسيح، انطلاقا من قبلتنا التي نولي وجهنا صوبها يوميا خمس مرات ونحن نصلي، أي السعودية الشقيقة، وصولا إلى قبلة العالم السياسي كله اليوم بقيادة ترامب العجيب، مرورا ببقية القبلات التي تتوزع في المكان و في الزمان، حسب الأهواء والانتماءات، لكن أساسا حسب المصالح المتبادلة، سواء كانت في باريس عاصمة الجن والملائكة، أو في أنقرة وإسطنبول عاصمة هذه الهزات الارتدادية التي تضرب الجذر الأصيل الأول لدى بعضنا، فتهزه هزا وتجعله يحلم بأشياء لا تلائم أبدا طبيعته ولا تكوينه ولا تطورات نبوغ المكان الذي يحيا فيه..

على العموم هي أشياء جديرة بتأمل كثير، وبعض الكلام العابر حولها لن يحل الإشكال، لكنه بالمقابل يصلح إعلانا تجاريا أو تنويها وتنبيها يوضع في مركز لبيع المنتوجات يحذر فيه صاحب المحل الزبناء من مغبة استهلاك مالايوافق صحتهم، أو اقتناء منتوجات غير صالحة للاستعمال، أو تلك التي انتهت صلاحية تاريخها وأصبحت قادرة فقط على تسبيب المغص في الأمعاء أو لاقدر الله، الذهاب بمزدردها مباشرة للقاء مولاه…

مجرد تنبيه أو نصيحة، والنصيحة لا تقتل ولا تحيي وهي أصلا الدين كله، والرد عليها يكون فقط بالشكر إن بالعبارة التركية العجيبة "تشكرات أفندينا"، أو بالعبارة المغربية الأصيلة "الله يرحم الوالدين"، أو ببقية عبارات التحية بكل اللغات والألسن واللهجات، والسلام.