السياسة

لغزيوي يكتب: لنجلس في هذا المجلس !

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 20 يوليو 2018
téléchargement-3
téléchargement-3

AHDATH.INFO

يجب علينا الاعتراف بها اليوم: هناك مشكل ما في تكوين مجلسنا الوطني للصحافة، وهناك بداية سيئة تم تسجيلها لابد من إصلاحها فورا، عوض الاستمرار في العناد والحكم على هذا الحلم الصحافي الجميل بالموت وهو في بداية الطريق.

لا تهمني التخندقات، ولا المقاعد، ولا الترشيحات، ولا الترشيحات المضادة. وحكاية الدخول في هاته اللعبة هي حكاية قطعت معها منذ العهد الأول للحياة، بعد أن فهمت أن الكولسة لن تترك انتخابات واحدة في المغرب تمر بشكل عادي. لكن تهمني مهنتي، ويهمني مستقبلها، ويهمني أن نستجيب جميعا - كل من موقعه - لهذا النداء الصارخ الغاضب الذي يهز المشهد الصحافي كله، والذي يقول إن الانتخابات لم تكن بالمثالية التي تمنيناها، وبأن ثمة غاضبين بقوا على قارعة الطريق، هم في نهاية المطاف زملاء لنا وينتمون لهاته القبيلة المنكوبة، ولا حق لأحد بأن يعتبر غضبهم أو انتقاداتهم مجرد صيحات في واد لا أثر لها ولا نفع منها ولا رجاء.

لا، الحلم الذي خامر أذهان القيدومين والرعيل الأول للمهنة، والذي رعاه جيل الوسط بالرجاء الكثير، وبالصبر غير القليل على كثير المتاعب في مهنة الصحافة هاته، لا يجب أن يذهب سدى، وأن نقرر له الاغتيال وفق منطق «من الخيمة خرج مايل»، بأن نصم آذاننا عن كل ما يقال، وأن نعتبر أن الانتخابات مرت، وأن من يجب أن يكونوا قادة للمجلس قد تم اختيارهم و«نبينا عليه السلام».

نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فعلا، لكن الحواريين المحيطين بالمشهد عليهم أكثر من علامة استفهام. والتطورات، التي عرفها المجلس منذ لحظة انتخاب أعضائه، وحتى الآن، تجعلنا نحس بطعم مرارة سيظل عالقا إلى الأبد بهذا المجلس، إن لم نسارع إلى تغليب صوت الحكمة على ما عداها، وإن لم نختر تغليب المصلحة العامة - لمرة واحدة في حياتنا - على المصلحة الشخصية، وعلى حكاية «السيفيهات»، التي ضربت هذا المشهد المغربي العام والحزين في مقتل حقيقي.

نحن أهل الصحافة المعروفون بطول لساننا، نتولى يوميا إعطاء الدروس لكل القطاعات، ولكل المهن، ونفتح أفواهنا مشرعة على آخرها بخصوص كل شيء، حتى الأشياء التي لا نفهم فيها شيئا. وحقيقة، سيكون من المعيب، ومن المخجل، ومن المؤسف، ومن المحزن أن نعطي كل هاته الدروس لكل هاته القطاعات، وأن نأتي حتى قطاعنا، وأن نعتبر أننا منزهون عن الخطأ نعاني من إعفاء من النقد، ومن تملص كبير من تحمل المسؤولية يجعل بعضنا اليوم يقول «اللي عطا الله عطاه، خلص عاد شكي».

هي ليست فاتورة ماء وكهرباء غالية أضرت بمواطن لكي يقول لنا الناس هذا الكلام. هي حكاية ترتبط بمستقبل مهنتنا وبتطوراتها الآتية إن كان لها من تطورات، وإن لم تنقرض في القريب العاجل وتكفينا شر كل هذا النقاش.

وعندما نقول مستقبل المهنة، ومستقبل العاملين فيها، ومستقبل تقدمها إلى الأمام عوض بقائها في هذا المنحدر السحيق الذي توجد فيه اليوم، والذي يجعلها مستباحة من طرف كل من هب من فراشه ودب على الأرض، فإننا نعرف أن هذا الكلام يلاقي هوى في نفوس إخوتنا في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وأنهم بغض النظر عن الانشراح بنتائج الانتخابات وفوز تصوراتهم للأشياء يعرفون ألا حق لهم في أن يتركوا الآخرين جانبا، وأن يمثلوا دور من لم ير شيئا ولم يسمع شيئا ولا يريد أن يرى أن يسمع أو يرى شيئا.

أنا لا أنزه الإخوة هناك عن موقف كهذا، وأعرف أن أغلبيتهم الغالبة أتت إلى النقابة من باب النضال الفعلي لأجل المهنة، لكن أيضا من باب النضال الفعلي في أحزابها وتنظيماتها الأخرى، وأن أحلاما وردية كثيرة داعبت مسام العقل والروح والجسد فيها في الصبا وكانت تجعلها تريد مغربا آخر يتسع للجميع، ومن العيب فعلا في أرذل العمر، وفي بداية خريفه أن يتنكر الإنسان لكل أحلام الصبا، وأن يصبح هو الآخر مجرد ظالم متجن على الآخرين، لا يسمع إلا صدى صوته، ولا يرى إلا ما تريه له العين الواحدة المنافقة، ولا تعني له صرخات الآخرين أي شيء.

أول أمس الأربعاء، شاهدت رفقة أصدقاء بعيدين كل البعد عن مهنة الصحافة على القناة الثانية «دوزيم» الروبرتاج الإخباري عن الانتخابات الصحافية، وعن المشاكل التي خلفها المجلس وهو لم يبدأ في العمل بعد. طالعني صديق طبيب بنظرة ساخرة وقال لي «كتعيبو على هيئة الأطباء، ونتوما باديين الصداع قبل كاع ما يتكون المجلس».

أعادني إلى نقاش جمعني به ذات يوم والهيئة التي ينتمي إليها تعرف صراعا حادا داخلها، وهزني فعلا بقوله إن المجلس لم يتكون بعد لكن مشاكله تكونت واكتملت «تبارك الله» وشب عودها، ورائحة الصراعات فيه أزكمت الأنوف، وزملاء قالوا في زملاء ما لم يقله إمام المدينة في المدام العتيق، وأشياء أخرى لا داعي لإشراك القراء فيها نسمعها يوميا ونحس فعلا بألم شديد.

ذلك الحلم الذي كان.. لا ينبغي له أن يصبح كابوسا. وهاته القاعدة السيئة القائمة على أن المرء يتشبث بكل المناصب المتوفرة فوق سطح الأرض، وعلى الأخرى التي تفكر البشرية في خلقها هي قاعدة لا تنتمي للمستقبل إطلاقا.

هي قاعدة مرضية لها علاقة بالتحنيط والفراعنة والتوابيت والمومياءات وكل الذين يصعب عليهم أن يفهموا القاعدة البسيطة والسلسة للحياة: «لو دامت لغيرك - آبوراس - لما وصلت إليك».

لذلك لا مناص من قليل عودة إلى العقل قبل فوات الأوان. وماذا وإلا سيكون فقط مجلسا يشبه بقية المجالس لا إضافة له، ولا فائدة ترجى منه، ولا دور يسند له، ولا مهنيين يؤمنون أنه مجلسهم فعلا وأنهم إليه سيعودون.