ثقافة وفن

لغزيوي يكتب: « كارما »: تلك الحكاية !

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 05 يوليو 2018
maxresdefault
maxresdefault

AHDATH.INFO

لم نشاهد الثلاثاء موقعة الإنجليز والكولومبيين. رأينا عوضها مباراة من نوع آخر تماما.

رأيت فيما يرى السينمائي الحالم والعاشق خالد يوسف يمتشق حسام حكي من نوع غريب، ويقدم لنا الدلالة الأخرى أن له بعض العلاقة بل كل العلاقة برجل آخر قدم لنا هنا في المغرب عشق السينما على طبق من حكايا لا تنتهي يسمى جو أو يوسف شاهين أو عصفورنا الذي لن ننساه أبدا

وأنا العائد إلى قاعة ميغاراما بعد غياب سنوات طويلة، كنت متوجسا. كنت خائفا وكنت غير راغب في خيبة أمل جديدة من فيلم جديد مثل العادة التي أصبحت تتكرر مؤخرا…

أعترف لكم: في المرات القليلة التي قصدت فيها  هاته  القاعة لأجل مشاهدة بعض الأفلام عدت بخفي حنين السينمائي وبكثير من الخيبة، وبغير قليل من الإرادة أنني لن أعود

لكن يوم الثلاثاء فرضت على نفسي الذهاب إلى هناك لأسباب عدة: أولها تزامن عرض هذا الفيلم مع لحظة « تسلم الأيادي » التي تعني للمصريين الشيء الكثير، ثانيا لأنني التقيت يوسف شاهين مرات عديدة وحاورته مرتين (مرة في مراكش ومرة في كان) واحتفظت عنه ومنه وعلى لسانه بكلام طيب عن خالد يوسف، ثالثا لأنني رأيت كل أفلام خالد يوسف وأعرف أنه له قدرة على الحكي لاتشبه ماعداها أو تلك المتوفرة لدى الآخرين، رابعا لأن سفير مصر الصديق الجميل أشرف إبراهيم أصر على الدعوة هو ورفيقه في العمل وفي تمثيل أم الدنيا هنا في المغرب السيد أحمد فتوح، وخامسا لأن صديقة أخرى تسمى إيمان المصباحي هي التي توزع العمل في المغرب، وسادسا لأن غواية السينما لدي تتفوق على ماعداها وتستطيع أن تهزم الكرة في عز المونديال ، لذلك لا مجال للمقاومة. اليوم سينما وليكن مايكون..

شاهدنا في نهاية المطاف « كارما » عمل خالد يوسف الجديد، شاهدناه على امتداد دقائق طويلة قاربت بل فاقت الساعتين لكن لم نحس نهائيا بالوقت أو الزمن

توقفت لدينا عقارب إحساسنا بكل شيء عند الرحلة الحمقاء، المجنونة، الموغلة في السوريالية، الراغبة في اقتحام عوالم النفس التي قام بها خالد يوسف من خلال شخصية أدهم/وطني.

لايترك لك المخرج أو الحاكي، ودعونا نفضل كلمة الحاكي هنا لأن الحكاية هي أكثر شيء شد الجموع تلك الليلة في ميغاراما، فرصة واحدة لالتقاط الأنفاس أو للتفكير ولو لهنيهة إن كان أدهم هو الحالم أم وطني هو الذي يعيش في قلب استيهاماته أم أن المشاهد هو الذي لا يستطيع التمييز بين الواقع وبين الفانتازم.

العديدون قالوا لي بعد نهاية الفيلم « خالد يوسف يتحدث عن تجربة شخصية، مافي ذلك شك »، أنا ذهبت باقتناع لا أستطيع إزالته عن ذهني أن خالد يوسف يتحدث عن مصر

قد أكون مخطئا، قد أكون ضالا  في رغبتي هاته بالقيام بإسقاط لامحل له، لكنني رأيت المحروسة في الفيلم.

رأيتها في الأداء التشخيصي الباذخ لعمرو سعد ولزينة ولغادة عبد الرازق ولوفاء عامر ولدلال عبد العزيز ولماجد المصري وللآخرين، ورأيتها أساسا في لعب وتمثيل ذلك الوحش الذي لم تجد السينما العربية بمثيله إلى اليوم المسمى خالد الصاوي، ورأيتها في الصغيرة التي لعبت دور كارما واستطاعت أن تقنعني أنا ومن شاهدوا العمل معها أنها إبنة لنا جميعا، لها علينا واجب الحفظ والصون والمرافقة إلى أن تبلغ أشدها ، ولها واجب أكبر يشبه واجبنا تجاه كل من هم في سنها ولها واجب أهم أن نحكي لها القصة مثلما هي دونما كذب، ودونما بحث عن كنز لايوجد ودونما تفضيل دين على آخر فقط لأننا ندين بذلك الدين ولا ننتمي للديانة الأخرى، ودونما تفاوت طبقي مقيت نعتقد أنه عادي ومن السهل التعايش معه رغم أنه ليس كذلك ولا أحد فرضه علينا في البدء ولا أحد ينبغي أن يفرضه علينا في المنتصف وفي المتم

يحكي خالد يوسف في « كارما » قصة أدهم/ وطني المسلم المسيحي، الفقير الغني، القادر على عيش واقعه كله، لكن الهارب من كل حقائقه، الراغب في تحسين وضعه وإن كان غنيا الراغب أيضا في تغيير حقائقه وهو الفقير

يحكي خالد يوسف بسهولة ويسر الحارة الفقيرة، وقصور الثراء، ويحكي الفوضى التي جعلها دوما نصب عينيه لكي يحاربها وهي تحكم بلدا بأسره، يحكي الانغلاق على الذات والتقوقع في حماية ظالمة للدين ، هذا الأخير منها براء، ويحكي رغبة البلد، رغبة كل البلدان في الانتقال من حال إلى حال، ثم ينزوي في ظل إيمانه بالواقع لكي يعود إلى لعبة الاستيهام والفانتازم، والانتقال بينها وبين الحقائق الواقعية لكي يبرى نفسه في نهاية المطاف، ولكي يقول لنا « لم أقل شيئا، أنتم الذين فهمتم ماأردتم أن تفهموه من هاته الحكاية »

هنا تكمن قوة سينما هذا الفتى، (وهو قد استلم مشعلها من الفتى الرائد قبله، ومعذرة على ذكر يوسف شاهين كل مرة، لكنها الضرورة) : أن تحكي حكايات تبدو للجميع شخصية، وتبدو للجميع جماعية وتبدو في نهاية المطاف قادرة على البقاء على امتداد السنين

أخرجتنا « كارما » من « مود » المونديال وأدخلتنا عوالم سينما نعشقها تسمى السينما المصرية، كلما اعتقدنا أنها قد انتهت أو قد نزلت إلى إسفاف السوق والجمهور « اللي عايز كده » إلا وأدهشتنا بقدرتها هاته الكبرى على الإمتاع والمؤانسة بعمل مثل عمل خالد يوسف الجديد

كلمة واحدة لامفر منها للجميع، لأن كثير الكلام يقتل فرجة السينما ويسيء إليها: إذهبوا لمشاهدة هذا العمل فهو في قاعات المغرب اليوم، وهو فعلا يستحق إعمال العقل والعين والفؤاد للتعارف معه والاقتراب منه والفرجة عليه ،والخروج منه بعديد الخلاصات…