بوابة الصحراء

قراءة في كتاب :" الصحراء من خلال بلاد تكنة" د مصطفى ناعمي

محمد البوزيدي الأربعاء 04 أكتوبر 2017
12015405830
12015405830

AHDATH.INFO

يعتبر هذا الكتاب جزءا من أطروحة للكاتب استهدفت خلال فترة السبعينات من القرن الماضي مقارنة مختلف التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، وكذا الأسس الأنتربولوجية التي ساهمت في تشكيل اجتماعي سياسي ببلاد تكنة المتكونة من منطقتين صحراوية وشبه صحراوية،ومن شأن هذه المقارنة تعريف كلا المنطقتين بالنسبة للثانية تعريفا شموليا ونوعيا للملابسات والظروف التاريخية التي عايشتها .

كما أن الكتاب الذي يضم 190 صفحة ، يعتبر محاولة تستهدف إلقاء الضوء على خصائص المنطقة من خلال أرشيفات الخزانات الفرنسية ممثلة في الكتابات العسكرية وتقارير عدد من الباحثين الفرنسيين، وتسمح بتصحيح الإشكالات الأولية التي قد تعترض مشاريع البحث المستقبلية .

لكن في نفس الوقت يؤكد الباحث أن المحاولة ليست علما تاريخيا ولا مجموعة منغرافية، بل هو كشف لبنيات وتحديد العلاقات من الزاوية الأنتربولوجية والاقتصادية ،و تحليل سببي لمراحل انطلاق مختلف الظواهر الاقتصادية والاجتماعية بلاد تكنة.

ومن أجل إجلاء الغموض الذي قد يكتنف المصطلح حرص الكاتب على ضبطه من نواح عدة في صفحات متعددة حيث يعرف تكنة أنها اتحادية، وهي تجمع يجسد وحدة ثقافية لغوية حضارية لها نفس العادات والتقاليد ،إنها وحدة بربرية موريسكية من نسج تاريخ يمتد عبر ثمانية قرون، وتمثل قبائل تكنة التكتل الشمالي لهذه الوحدة المتكاملة الأبعاد. وتتعايش داخل الاتحادية 12 قبيلة منقسمة إلى التفافين أساسيين وهما :لف آيت عثمان ولف آيت الجمل .

كما يصحح المجال الجغرافي لتواجدها ،فهي لا تنحصر كما ساد في الأوساط المغربية والأجنبية في حدود وادي نون وباني الغربية ،بل تطلق على مجموع التراب الذي استعملته قبائل التكنة خلال مايزيد على ثلاثة قرون لم يكن فيها وادي نون سوى المنطقة الحضرية الخصبة، ويحددها في المنطقة ماقبل صحراوية المليئة بالقرى والمداشر،إذ تمتد جنوبا من الصحراء الأطلسية حيث يجوب كبار الرحل من تكنة أزيد من 1000 كلم من الجنوب الغربي إلى الجنوب الشرقي .من طرفاية إلى تاكونيت وعلى 500 كلم من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي من سيدي إفني إلى الأكيدي.

كما يؤكد الباحث أن التكنة اتحادية غير متجانسة، يتعايش فيها الرحل والقارون الناطقين بالأمازيغية والحسانية داخل كل لف ،حيث اللف يتجاوز كونه مجرد مسطرة عرفية تقتضي الحد من الممارسات العفوية والأخطار الداخلية والخارجية ،ولكنه تنظيم بنيوي تم توطيده على قواعد تستهدف المحافظة على التوازنات الدائمة .إنه كما يؤكد ناعمي مركب تنظيمي مقام على أساس قواعد وأعراف، فالمتعاقدون يشاركون في التعويضات الناتجة عن القتل والجرح مبرزين بذلك مدى أهمية التزام قواعد التحالف .

وفي فصل آخر يؤكد الكاتب أن قبائل التكنة هي خليط من الوحدات التي ظهر اسمها لأول مرة خلال القرن الخامس عشر في حين لم يظهر الاسم بالنصوص الأوروبية إلا في نهاية القرن الخامس عشر مع توضيح أنه إذا كان المجال الجغرافي لبلاد تكنة يبدو منسجما، فانه في نفس الوقت غير مستقر بسبب التحركات الدائمة واحتكاك المجموعات البشرية.

وينقسم الكتاب إلى ستة فصول متنوعة تتكامل في التطرق لوضعية التكنة بالصحراء في فترات تاريخية مختلفة .

في الفصل الأول:تحدث د ناعمي عن تاريخ المنطقة في التجارة التي كانت واد نون موقعا استراتيجيا فيها عبر التعريف بمراحل التبادل عبر الصحراء، سواء التجارة الفينيقية أو التجارة مع قرطاج وبيان دور النزعة التجارية الصنهاجية في تأسيس التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خاصة مع ميول القبائل إلى تنمية نشاطات تجارية عبر مسالكهم التي تعتبر المحرك الأساسي لكل التحالفات والتبادلات .والدور الرئيسي للتجارة عبر الصحراء في إنشاء التنظيمات السياسية والعسكرية الكبرى والنشاطات التجارية والاجتماعية وحركية الطرق البرية والملاحة البحرية بالمنطقة .

كما أبرز تأثير دور تجارة القوافل في تطوير وبلورة التنوع الاقتصادي والمكونات السياسية جنوب الصحراء الجنوبية، والذي لم يكن نتيجة لعوامل طبيعية جغرافية وحسب، ولكنه نتيجة للتركيب الاجتماعي الذي تشكل فيه العصبية العصب الحساس فقط، كما أنه هو نتيجة التداخل بين الدين والدولة حيث أصبح يشكل الدين الإسلامي أحد العناصر الفعالة ضمن مقتضيات الوضع الاجتماعي العام .

وفي فصل آخر تطرق لنول لمطة أو المرونة التنظيمية للبنيات القبلية بين ضفتي الصحراء يتطرق د ناعمي إلى رصد مراحل تطور المفاهيم المحورية المجردة التي تبلورت من خلالها الكيانات المركزية الضخمة محاولا نمذجة التنظيمات الكنفدرالية شمال الصحراء ،ورصد التطور التاريخي انطلاقا من مولد الحركة المرابطية وإسلام قبائل صنهاجة وسكان جنوب الصحراء، وارتباط مدينة نول لمطة (هي مدينة قديمة بنيت عليها قرية أسرير (في ضواحي كليميم )وهناك آثار يرجح الباحث أنها آثار تحصين قديم من مخلفاتها ) بالحركة المرابطية ،محاولا رصد تطور البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأوضاع السياسية والعسكرية قبل القرن 14، ليخرج بخلاصة أن لمطة وجزولة شكلت مستودعا سياسيا وبشريا لأمراء الدولة المرابطية، وهي مرحلة خرجت منها الصحراء الأطلسية وبلاد سوس باختلال في توازنها السياسي والديمغرافي دون أن تفقد من مميزاتها الأساسية رغم أن الفترة الموحدية شكلت مرحلة قمع سياسي ومقاومة مستمرة ضد مركز الحكم لم تنته بحلول الفترة المرينية .

في الفصل المعنون بإشكالية الامتزاج القبلي بوادي نون والساقية الحمراء خلال القرنين الخامس والسادس عشر يتوقف الكاتب عند دراسة صيرورة تشكل المجتمع القبلي بمنطقة وادي نون والساقية الحمراء وأهمية الامتزاج التاريخي بين الأعراب المعقليين والفصائل الصنهاجية ودوره في اختلال التوازن الإثني والاجتماعي والاقتصادي.

وفي محاولة الرصد لأهمية علاقات الرحل المستقرين في التطور التاريخي لمجموع اتحادية تكنة،يحاول د ناعمي استنطاق الظاهرة الالتفافية من حيث اتخاذها شكلا دولويا قائما على أساس علاقة الرحل بالمستقرين وهي علاق